فى 25 مارس 2015 وجه الرئيس عبدالفتاح السيسى رسالة «محبة ومودة» من الشعب المصرى إلى الشعب الإثيوبى خلال كلمته بالبرلمان الإثيوبى المنعقد بمجلسيه، بحضور كامل هيئته والرئيس الإثيوبى تشومى ورئيس الوزراء هيلى ماريام ديسالين، وأكد الرئيس للإثيوبيين «أنها لحظة تاريخية فارقة أن أقف فى بيت الشعب الإثيوبى، لأحمل لكم رسالة أخوة صادقة ومحبة خالصة، وأيادى ممدودة بالخير، تنشد التعاون، من أجل التقدم والرخاء، تجسيدا لإرادة سياسية متبادلة للحوار والتواصل والتعاون على جميع المستويات».
وأشار الرئيس إلى أن المصريين والإثيوبيين سيظلون أشقاء، تجرى مياه النيل دماء فى عروقهم، ولن يسمحوا لأى خلاف أن ينال من قوة الصلات التى تجمعهم، صلات زادت قوة بانتمائنا لعائلة واحدة هى قارتنا الأفريقية التى تستضيف أديس أبابا رمز وحدتها.
وشدد الرئيس على أنه لا بديل عن تلبية نداء التعاون والفهم المشترك، لمجابهة التحديات الجسيمة والمعقدة، قائلا: أدعوكم اليوم لكتابة صفحة جديدة فى تاريخ العلاقات المصرية - الإثيوبية، نستلهم فيها أفضل ما فى تاريخنا من قيم سامية، ومواقف مشرفة، لتخطى سلبيات الماضى، وبناء جسور الثقة وسد فجوات الشك والريبة، دون أن تضع قيودا على الحاضر أو تعوق تطلعنا للمستقبل.
تذكرت هذه الكلمة وأنا أتابع أمس الأول الزيارة التى قام بها السفير الإثيوبى بالقاهرة إييى أثقاسيلاسى أمدى، لمبنى مجلس النواب وحضوره جانب من الجلسة العامة، ولقائه مع أعضاء لجنة الشؤون الأفريقية، وتأكيده أن رئيس وزراء إثيوبيا سيلقى كلمة أمام مجلس النواب المصرى فى ديسمبر خلال زيارته المقترحة للقاهرة لحضور اجتماعات اللجنة العليا المشتركة بين البلدين، والمهم فى زيارة السفير الإثيوبى للبرلمان أنها جاءت بناء على طلبه، وفقا لما قاله الدكتور السيد فليفل رئيس لجنة الشؤون الأفريقية الذى أكد أن اللقاء دار حول بناء الثقة وروح التعاون بين البلدين، وألا يمس أى مشروع إثيوبى حق مصر فى مياه النيل، أو مصالح الشعب المصرى، مشيرا إلى أن السفير الإثيوبى أكد أن دولته حريصة على استمرار التفاوض، وأنهما اتفقا على التعاون فى المجالات العلمية والأكاديمية مع الجهات المصرية، خاصة جامعة القاهرة، وتابع النائب السيد فليفل تصريحاته، قائلا: «الإثيوبيون حريصون على عودة المفاوضات واستمرار بناء سد النهضة، مع مراعاة عدم الإضرار بحصة مصر خلال فترة ملء الخزان»، مشددا على أن اللجنة نقلت للسفير حساسية المصريين تجاه أى تحركات تهدد حقوقهم المائية، كما أن اللجنة طالبت بأن تتضمن زيارة رئيس الوزراء الإثيوبى رسالة طمأنة عملية للمصريين من أعمال بناء سد النهضة، لا سيما أن المصريين لم يعودوا مستعدين لمزيد من الضغوط.
وأشار «فليفل»، إلى أنه أكد لسفير اديس أبابا أن حصة مصر الحالية من مياه النيل لا تمثل أكثر من %5 من إجمالى الموارد المائية بحوض النيل وفروعه، ويجب زيادة هذه الحصة وليس تهديدها، منوها بأن السفير الإثيوبى تحدث بقوة فى مسألة الشراكة والإدارة المشتركة للسد، باعتباره مشروعا ثلاثيا، ولا يخص دولة واحدة، مختتما تصريحاته بالقول: «تحدثنا عن بعض الأطراف الإقليمية التى تلعب ضد مصر، خاصة فى ملف الإرهاب، وأننا لا نتخيل أن تكون إثيوبيا جزءا من هذا، وأن زيارة المسؤولين القطريين لإثيوبيا مؤخرا تثير الريبة لدى المصريين، ولكن السفير أوضح أن الزيارة كانت محددة من وقت سابق، ولا علاقة لها بموعد المفاوضات الخاصة بسد النهضة».
أن يزور سفير إثيوبيا مبنى البرلمان بعد أيّام قليلة من إعلان وزير الرى وصول مفاوضات مصر والسودان وإثيوبيا حول سد النهضة إلى طريق مسدود، تشير إلى أن الإثيوبيين عمليا يحاولون البحث عن مخرج للمأزق الذى تشهده المفاوضات الفنية بين الدول الثلاثة التى تتحمل اديس أبابا ومعها الخرطوم جزءا كبيرا من المسؤولية عنها، بسبب تعنت العاصمتين فى التجاوب مع المتطلبات المصرية المبنية على رغبة القاهرة فى تحقيق مصالح الدول الثلاثة، من مسألة بناء سد النهضة، فالقاهرة كما أكدت مرارا وتكرارا لم ولن تقف ضد رغبة أشقائنا الإثيوبيين فى التنمية، لكنهم فى نفس الوقت يطلبون من أثيوبيا أن تراعى حاجة مصر للمياه، باعتبار أن مياه النيل هى المصدر الرئيسى لمصر، وبدونها ستواجه مصر أزمة مائية كبرى، لذلك جاءت كل التحركات المصرية طيلة الأعوام الأربعة الماضية فى هذا الاتجاه وفى محاولة لتوصيل الرسالة بكل وضوح وشفافية لأشقائنا فى أديس أبابا، وأعتقد أن الرسالة وصلت لهم، لكن يبدو أيضا أن هناك طرفا يحاول توتير العلاقة بين دول حوض النيل، خاصة مصر وإثيوبيا المرتبطان بعلاقات تاريخية قوية، ولا يمكن أبدا أن تتأثر بأزمة سد النهضة، وربما تجدر الإشارة هنا إلى التساؤلات المشروعة التى طالت الموقف السودانى فى المفاوضات التى غالبا ما كانت عاملا معوقا وليس مسهلا، آخذا فى الاعتبار أن الخرطوم وفقا لما ردده الكثيرون حاولت مساومة مصر فى مفاوضات السد على أمور أخرى من بينها منطقة حلايب السودانية، وهو ما أثر على سير المفاوضات.
كلى يقين أن إلقاء رئيس مجلس الوزراء الإثيوبى خطابا أمام مجلس النواب ولقائه مع النواب سيتكون خطوة مهمة لها تأثير إيجابى على مسار التفاوض حول سد النهضة.