نعلم جميعا كم يتعب رجال الأمن فى حفظ الأمن، ونعلم أيضا كم يجرم بعض رجال الأمن فى حق الأمن، ولا يجب أن ينسينا «التعب» إجرام المجرمين، كما لا يجب أن ينسينا «الإجرام» عرق المخلصين، نعم كل مهنة بها ما بها، ولها ما لها، وعليها ما عليها، لكن الأزمة الحقيقية هى أنه من أبشع الأشياء وأقساها أن يأتى المرض ممن بيدهم الشفاء، وأن يأتى الإرهاب ممن بيدهم الأمن، فذلك كفيل بأن يفقد الواحد الثقة فى كل شىء وأن يدفع الدولة كلها دفعا إلى أن تصبح غابة.
ولأنه ليس من المنتظر أن نصبح مجتمعا من الملائكة، ولا نظن أن جهاز الشرطة أو أى جهاز آخر معصوم من الخطأ فإننا لا نستكثر الخطأ وإنما نستبشع إنكاره لأن الإنكار يعنى عدم الاعتراف وعدم الاعتراف يعنى أن احتمالات تكرار الخطأ واردة وبشكل أكبر، ولعل ترديد مصطلح أن الأخطاء التى ترتكبها الشرطة «فردية» مكن أكثر الأشياء التى تفقد الواحد الثقة فى شفافية الدولة ومكاشفتها وإصلاحها لعيوبها، وأننى أدعوك أن تنظر هنا إلى تلك الإحصائية التى نشرها مركز النديم الحقوقى والتى يؤكد فيها أن هناك 1861 حالة انتهاك حقوقى فى العام الماضى وحده، بما يعنى أن كل يوم يحدث أكثر من خمسة انتهاكات، وهذه الانتهاكات بحسب المركز موزعة كالتالى: 700 حالة وفاة بسبب التعذيب وسوء المعاملة فى أقسام الشرطة، 474 حالة وفاة بسبب الاحتكاك بالأجهزة الأمنية، 464 حالة اختفاء، 175 حالة تصفية فورية، 25 حالة وفاة بطلق نارى أثناء مسيرة، 23 حالة وفاة بطلق نارى أثناء مشاجرة مع رجل شرطة، ولو فرضنا أن هذا المركز «يبالغ» أو أنه حتى يضاعف الحالات بالكذب فسيبقى الرقم ضخما، ولا يصح أبدا أن نطلق على الأخطاء التى يخطئها جهاز مرات عديدة كل يوم أنها فردية فلو السيدة «فردية» تتكلم لاشتكت من كثرة إلصاق التهم بها وهى بريئة منها بعيدة عنها.
يجب هنا أن تتخلص الداخلية من الادعاء بأن كل هذه الأخطاء «فردية»، لأن هذا الإجرام المتكرر يؤكد أنها «بنيوية» ومتوغلة فى عمق هذا الجهاز الذى نريده جهازا وطنيا عظيما، ونريده حاميا لحمى مصر، مدافعا عن أحلامها فى الاستقرار والأمان، فمثل هذه التصريحات «التسكينية» لا تعالج الأزمات، ولا حتى أصبحت «تسكنها»، كما يجب أن تتعلم هذه الوزارة أن الاختلاف لا يعنى الخصومة، والنقد لا يعنى العداء، والإشارة إلى السلبيات لا يبتغى منه أن نهدم مؤسسة، أو أن نسهم فى إضعاف جبهة ما، فهذه بلدنا، وإن لم نصلحها نحن فإنه من أبجديات الخيانة أن ننتظر أن يصلحها الآخرون.