كاتب وأديب وإنسان كبير، يشغل مكانة كبيرة بلا شبيه فى عالم الأدب، وأيضًا فى الحياة.. مكاوى سعيد هو أكثر من يمثل القاهرة فى عصورها القديمة والحديثة.. يمتلك هيئة كهنة مصر القديمة حاملى مفاتيح المعابد وغرف الأسرار وكتاب الموتى والأحياء.
لساعات كثيرة كنت وكل من عرفه غير مصدقين أن يكون الخبر صحيحا، طالما لم يعلنه بنفسه.. كيف يمكن أن يرحل مكاوى سعيد بهذه الطريقة؟ مكاوى هو «ديدبان» وسط القاهرة، الذى اصطفته لتمنحه سرها.. كيف يمكن أن يرحل من دون أن يكتب بنفسه أو يرسم شكلا لرحيله.
مكاوى سعيد كان صديقى مثلما هو صديق حقيقى لمئات من رواد وسط البلد.. ومن دون مكاوى تبدو القاهرة وقد فقدت حارسها وراويها وأحد أهم معالمها على مدى عقود.. يبدو دائمًا فى مهمة تستدعى وجوده، هو فرد لكنه يعرف كل بوابات وسط القاهرة، ومن يدخل أو يخرج.
فى الصباح والمساء الظهر العصر، تراه وتصافح ابتسامته، تطمئن إلى أن كل شىء فى مكانه.. لا أحد يصدق أن وسط البلد سوف تستمر كما هى فى غياب مكاوى سعيد.. الذى يبدو رحيله خدعة ما، وأحد مقالبه الشهيرة، التى سرعان ما تنتهى ليعود مكاوى ويأخذ مكانه الأزلى على بوابات القاهرة.. يرصد تفاصيلها وملامحها، ويحدد حجم التغيير ومقادير التحولات.
مكاوى كما كنت أراه دائما «هو نفسه جزء من تاريخ وسط البلد فى القاهرة المدينة الشابة العجوز، وهو أيضًا مؤرخها، فى فترات مدها وجزرها، كابن إياس والمقريزى والجبرتى، جالسا كحارس هذا الكيان الغامض المقعد البسيط والفاتن «وسط البلد».. مكاوى سعيد يجلس على بوابة افتراضية بوسط البلد ليسجل كل داخل وخارج وكل شاردة وواردة، ويعيد تقديمه بخيال يبهر حتى الذين عايشوه».
رحيل مكاوى سعيد المفاجئ، يذكر أنه من ذوى الخطوة، يمكن أن يظهر فى أكثر من مكان بوقت واحد، ويتخذ مكانه فى «قهوة البستان» بنفس السمت والابتسامة، يسجل كل شاردة وواردة فى هذا العالم المتقاطع. ومن هيئته يبدو أسطوريا أزليا غير قابل للتغيير، مكاوى سعيد دائما أشبه بنقش فرعونى على جدران القاهرة، يقوم بمهمته بكل إخلاص ودأب.. كان كتابه «مقتنيات وسط البلد» «تأريخا لبشر، أشبه بالمقتنيات، مثقفون وفنانون كانوا مشروعات لمبدعين أو اختزنوا مشروعات كبرى واختفوا فجأة من دون اكتمال»، مكاوى احتفظ بهم وخلدهم ليبقى على سيرهم محفوظة ضمن لفافات البردى وأوراق الكنوز المخفية.
مكاوى سعيد فى «تغريدة البجعة» يرصد وسط البلد العلنى وعالمه الموازى ممثلا فى أطفال الشوارع يقدمهم كبشر وليس كائنات هامشية، وفى «أن تحبك جيهان» يؤرخ للطبقة الوسطى ودائما يلتقط شخصيات من النسيان، ليعيد تشكيلها فى بناء محكم.
مكاوى روائى صاحب مشروع روائى وأدبى يسعى دائمًا لفك غموض العالم وتسهيل فهم هذه الألغاز، يفعل ذلك كمهمة مقدسة، بجد ودأب، وإخلاص وصدق.. ومن دون شكوى أو بحث عن أضواء.. دائما يمتلك مشروعا متكاملا، ولديه مايقوله من دون افتعال أو ادعاء.. وحتى مشهد رحيله المفاجئ سوف تجده محفوظا فى مطوياته وأوراقه اللانهائية.