مهما كانت شطحات الخيال، لم تكن لتصل إلى هذا المشهد الجديد فى اليمن، وهو ليس فقط مشهدا جديدا، لكنه إعادة لمشهد قديم تصور البعض أنه لا عودة إليه.
كالعنقاء الطائر الأسطورى الذى يبعث من الرماد، عاد على عبدالله صالح الرئيس اليمنى الأسبق إلى الصراع، للمرة الرابعة، خلال سبع سنوات. فقد واجه مظاهرات بعد 33 سنة من 1978، ونجح دائما فى خلق التوازن بين النظام القبلى والعسكرى، وانتهى بوضع أقاربه وأبنائه فى المناصب العسكرية الأساسية.
خاض على صالح حروبا مختلفة منها إعادة توحيد اليمن، من المفارقات أنه أعلن الحرب 6 مرات على الحوثيين من 2004–2010، باعتبارهم قوات خارجة عن النظام، هدفهم العودة بالبلاد إلى الحكم الإمامى، وحصل على دعم وإمدادات من دول الخليج للحرب وتعزيز قواته العسكرية، متمثلة بالحرس الجمهورى والقوات الخاصة، ولم يتوانَ عن استخدام أى أوراق تساند سلطته المطلقة، حتى لو كان تنظيم القاعدة، لكنه فى سبيل السلطة عجز عن مواجهة الفقر والتراجع فى التعليم والتنمية وحتى البن الذى كان أحد أهم مصادر دخل اليمن تراجع بينما ظلت أمريكا اللاتينية تعتمد على هذا المنتج الاستراتيجى.
فى عام 2011 اندلعت المظاهرات الغاضبة، تمسك صالح بالسلطة وسقط مئات القتلى والجرحى تعرض صالح لمحاولة اغتيال فى 3 يونيو 2011 بقنبلة داخل المسجد بالقصر الرئاسى، وأصيب صالح بحروق بالغة وظهر بعد الحادث بفترة قصيرة عبر مكالمة مع التليفزيون اليمنى يشير فيها إلى سلامته من الحادث وبدى الإعياء ظاهراً على صوته، وتوجه للسعودية وظهر فى بث تليفزيونى من قصر الضيافة بالمملكة السعودية عقب نجاح العمليات وظهر بوجه محروق، هدأت المظاهرات بعد توقيع «المبادرة الخليجية» التى نصت على تسليم سلطات الرئيس للمشير عبد ربه منصور هادى ومنح صالح حصانة من الملاحقة القانونية، وسلم السلطة بعد سنة من الاحتجاجات بموجب «المبادرة الخليجية» الموقعة بين المؤتمر الشعبى العام وأحزاب اللقاء المشترك التى أقرت ضمن بنودها تسليم صالح للسلطة، بعد إجراء انتخابات عامة، وأقرت لصالح حصانة من الملاحقة القانونية، وتم إقرار قانون الحصانة فى مجلس النواب اليمنى واعتباره قانونا سياديا لا يجوز الطعن فيه، وتولى نائبه عبد ربه منصور هادى رئاسة المرحلة الانتقالية، وبدا فى محاولة لحل التشكيلات العسكرية الموالية لصالح أو التى تمردت عليه، لكنه واجه تمردا واسعا من اطراف النفوذ.
عاد صالح إلى اليمن، لتبدأ جولة جديدة ليتحالف مع الحوثيين، بعد انقلابهم على السلطة الجديدة سيطر الحوثيون على صنعاء فى 21 سبتمبر 2014 بمساعدة من قوات الحرس الجمهورى الموالية لعلى عبدالله صالح، وهاجموا منزل الرئيس هادى فى 19 يناير 2015، الذى استقال بعد أيام لتبدأ مرحلة جديدة من الصراع على رأسها على عبدالله صالح.
وبعد ثلاث سنوات من التحالف مع الحوثيين، عاد الصراع بين الحليفين ورتب على عبدالله صالح أوراقه وتحركت قواته للسيطرة على عدد من المؤسسات الحيوية فى العاصمة صنعاء وعلى رأسها التليفزيون، فيما بدأت قوات الحوثى استهداف معسكرات صالح وقصف منزله، وتقدمت قوات صالح الذى بدأ إطلاق تصريحات يسترضى فيها الخليج ويهاجم الحوثيين وإيران، فيما بدا تحولا جديدا يسعى فيه صالح لاستعادة السلطة، أو على الأقل لأحد أبنائه، فيما بدا جزء من دراما التحولات التى تبدو فيها الأمور عائدة لنقطة الصفر، بعد سنوات تمزق فيها اليمن، ضمن صراع على السلطة والنفوذ.