فى 6 إبريل الماضى كتبت مقالا بعنوان «هل يصلح أحمد شفيق رئيساً لمصر.. بعد أداء أطول «عُمرة» فى التاريخ؟! أكدت فيه أن شفيق سيخوض الانتخابات الرئاسية 2018 وسيعلن ذلك فى الوقت المناسب، وبعد إعلانه رسميا وتطور الأحداث بشكل دراماتيكى، سأعيد نشر المقال مع إضافات جوهرية فرضتها الأحداث السريعة والمتلاحق.
الفريق أحمد شفيق، أحد أبرز أركان نظام مبارك، الخاسر فى انتخابات الرئاسة 2012 أمام محمد مرسى العياط، قرر أن يخوض انتخابات الرئاسة 2018، وجاء الإعلان عبر منبرين إعلاميين معروف عنهما العداء الشديد لمصر، وكالة الأنباء رويترز، وقناة الجزيرة، وهو ما أصاب الإجماع الشعبى المصرى بصدمة عنيفة مازال توابعها مستمرا.
البعض يرى أن من حق أحمد شفيق الذى قفز من سفينة الوطن فى أحلك ظروفها، وهرب متوجهًا لدولة الإمارات الشقيقة، أن يخوض انتخابات الرئاسة، فى حين أن الغالبية الكاسحة من الشعب المصرى ترى أنه ليس من حقه خوض أى استحقاقات انتخابية لأربعة عوامل جوهرية:
الأول أنه هرب خوفًا من بطش الإخوان، بعد إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية بفوز مرسى العياط بساعات قليلة، متذرعًا بأنه سيؤدى «العُمرة»، وهى أطول «عُمرة» عرفها التاريخ، حيث استمر يؤدى طقوسها فى الخارج قرابة 5 سنوات، ومستمر حتى الآن.
الثانى أن الرجل ينتمى لنظام اندلعت ضده ثورة عارمة، كادت أن تقضى على الأخضر واليابس، لولا العناية الإلهية أولًا، ثم تماسك معظم الشعب المصرى وصموده ثانيًا، ثم دور القوات المسلحة التى حصنت البلاد ضد كل المؤامرات.
الثالث أن الفريق أحمد شفيق على مشارف الثمانين من عمره، فالرجل من مواليد 25 نوفمبر 1941، فى وطن ينشد الدفع بالشباب لقيادة البلاد فى جميع المناحى، وهو الشعار المسيطر على الساحة حاليا.
الرابع أن شفيق قرر السير عكس اتجاه المنطق والعقل، وارتكب خطايا أصابت مؤيديه بصدمة عنيفة، مثل إعلانه الترشح لخوض الانتخابات من منبرى رويترز والجزيرة، وسط احتفالات إخوانية وأدعياء الثورية واهتمام قطرى مثير للدهشة، وتنكر مشين لمعروف الأشقاء الإماراتيين الذين استضافوه ووضعوه بين شفرات عيونهم!!
العوامل الأربعة، بجانب خطايا عديدة أخرى لا تعد ولا تحصى، كفيلة أن تدفع أحمد شفيق إلى عدم الترشح، والاختفاء من المشهد السياسى برمته، وأن يجلس مستمتعا بحياته مع أحفاده سواء خارج أو داخل مصر، ويحاول أن يمحو الخطايا التى ارتكبها بالصمت.
«شفيق» مثل «البرادعى»، الاثنان هربا فى أحلك الظروف التى تمر بها مصر، الأول خوفًا على نفسه من بطش الإخوان، تاركًا البلاد تغرق تحت وطأة ظلام الجماعات الإرهابية، وإعادتها إلى عصور التخلف والرجعية، و«البرادعى» سار على نفس الدرب، فقد قفز من سفينة الوطن عقب فض اعتصام رابعة، مفضلًا الهروب إلى ليالى الأنس والفرفشة فى فيينا، تاركًا مصير المصريين تتحكم فيه جماعات إرهابية أيضًا، ثم والأدهى أن الاثنين بدأ يمدان جسور الود والحفاوة مع جماعة الإخوان الإرهابية، أى أن الاثنين لم يكتفيا بأنهما قدما المصريين قرابين للجماعة، وإنما تعاونا معها ضد المصريين!!
«شفيق» ركب الطائرة عقب إعلان رسوبه أمام محمد مرسى، وقرر الهجرة لدولة الإمارات الشقيقة، وبدأ مرحلة النضال من الخارج، وفارق شاسع أن تناضل كمشجع فى المدرجات، وأن تناضل وتقاتل فى أرض الميدان بفروسية، متحملًا كل المتاعب والمصاعب.
ومنذ خروجه من مصر، ويومًا بعد يوم يثبت أحمد شفيق أنه «بطل من ورق»، وبعيد كل البعد عن ما كان يظنه فى نفسه من فروسية وشجاعة وبطولة، فالمتابع لمواقفه منذ «واقعة الخروج» تحت ستار أنه سيؤدى العُمرة، يكتشف بسهولة مدى عشق الرجل للسلطة، أى سلطة، الوزارة، رئاسة الحكومة، رئاسة الجمهورية، رئاسة حزب، زعيم كتلة خيالية فى البرلمان، ليس مهمًا أن يكون الفريق صالحًا لتولى كل هذه المناصب أو غيرها، فهذا ما لا يفكر فيه الفريق إطلاقًا، كما لا يجرؤ أى من مساعديه على مصارحته بالحقيقة.
كل ما يفكر فيه «شفيق» أنه بطل خارق ومنقذ، لم تلد النساء مثله، ومن ثم يستحق مكانة وتقديرًا كبيرًا فى مصر، وأنه كان الأولى برئاسة الجمهورية فى حياة حسنى مبارك عام 2005، وأنه أيضًا كان الأولى بالرئاسة بدلًا من محمد مرسى، وأنه أيضًا يمتلك الكفاءة أكثر من النظام الحالى، وأن صلاحيته ممتدة حتى بعد النظام الحالى، وتصل إلى 2030.
وليس مهمًا أن المصريين الذين ثاروا عليه وهو رئيس وزراء، وأطلقوا حملات السخرية من تصريحاته على مواقع التواصل الاجتماعى، هم أنفسهم من ثاروا على «مرسى» عندما بغى وتجبر، وحاول أخونة البلاد وبيعها بالقطعة لكل من هب ودب.
لا يرى «شفيق» أن مياهًا كثيرة جرت فى نهر السياسة، وأن ثورة كبرى حدثت فى 30 يونيو لها شرعيتها، ولكنه يحاول أن يبحث لنفسه عن دور الزعيم الملهم الذى تنتظره الجماهير، وهو يفعل ذلك بالتصريحات العنترية، والتلميحات التى تثير فضول الصحفيين والنشطاء على مواقع التواصل الاجتماعى، لكنها لا تحرك شيئًا من اهتمام الناس، ولا تضيف شيئًا للحياة السياسية فى مصر.
«شفيق» مثله مثل «البرادعى» تمامًا، فإذا كان «البرادعى» يتصور أنه بتغريداته الغامضة يزلزل الحياة السياسية فى مصر، وأن رجاله فى الحزب الذى أسسه يستعدون لتشكيل حكومة الظل، فإن «شفيق» يتصور أن إعلانه خوض الانتخابات الرئاسية عبر منبرى رويترز والجزيرة، وبتصريحاته «الملخبطة» المفرطة فى غرابتها، سيحدث ثورة سياسية فى البلاد، وهو تصور واهم، مريض، غير قادر على التعاطى مع الواقع، وتعبر فقط عن جنون العظمة غير المبررة التى يصدقها صاحبها فقط، وهى بالضرورة ستظل صيحات فى الفراغ.