لا شك أن المجتمع يعيش حالة من حالات رفض الآخر وعلى كل المستويات، الآخر الدينى والآخر السياسى والآخر الاجتماعى.. إلخ.
وذلك حيث ترى تلك الصورة الباهتة من الحوارات التى تتم سواء كان هذا فى وسائل الإعلام المختلفة أو فى الشارع بين المواطن والآخر أو من على منار المساجد والكنائس، وصولاً إلى رفض الآخر فى تلك العمليات الإجرامية الإرهابية التى نشاهدها من تلك الجماعات التكفيرية هنا وهناك. فالحوار الموضوعى الغائب والمغيب جعل كل آخر يتوهم ويعتقد أنه هو الوحيد من يمتلك وحده الحقيقة المطلقة.. وبالتالى كل ما لا يؤمن بهذه الحقيقة المطلقة التى لا تقبل نقاشاً أو خلافاً فهو كافر.
والكفر هنا يعنى رفض الآخر، بل وجوب التخلص من هذا الآخر سواء كان هذا يتم عن طريقة القتل المعنوى أو القتل الجسدى وكلاهما لا يفرق عنهما الواحد عن الآخر، وعملية التخلص من الآخر المختلف تكون حسب قدرة وإمكانية كل منهم التى تمكنه من هذا التخلص، وبالطريقة القادر عليها وحسب إمكاناته الخاصة والذاتية أو العامة المتمثلة فى نوعية الانتماء لتنظيم له رؤيته الخاصة أو لأغلبية عددية أو أقلية عددية أو جنسية أو عرقية... إلخ.
ورفض الآخر بشكل عام ينتج نتيجة لمناخ عام يتمترس حول الذات، سواء كانت فردية أو جماعية يغذيها فكر دينى خاطئ يعتمد على تفسيرات خاصة للنص الدينى، وتأويلات تحقق أهدافا محددة ومقصودة بعيداً عن القيم السامية والمقاصد العليا للأديان. أو خطاب ثقافى مختلف أو خطاب تعليمى وإعلامى يتخندق الأغلبية أياً كانت نوعها لنفاق وتملق حسب المصلحة والفكر الدينى، وليس الخطاب الدينى الواجب إصلاحه وتصحيحه لا يقتصر على الفكر الدينى الإسلامى فحسب، حيث الجماعات والتنظيمات الإرهابية التى تستغل الإسلام وتتاجر به لمصلحة خاصة، مستغلة تلك العواطف الدينية، ولكنه الفكر الدينى المسيحى أيضاً فكلاهما يشكلان الوعى العام لدى المسلمين والمسيحيين ويحدد شكل العلاقة بين المصريين فى المجال العام.
فهناك الأمر يقتصر على مشكلة الآخر المسلم فى مواجهة الآخر المسيحى؟ هل القضية قاصرة على رفض المذاهب سنى - شيعى فقط، بالطبع لا، وألف لا، فهى تمتد بخصوصية الفرد وبعمق معرفته التى يجب أن تكون تجاه الآخر هذا، فيحدث نوع من الحوار الموضوعى الذى يعتمد على المعلومة الصحيحة والأهم هو إدراك أنه لا أحد يمتلك ما يسمى بالحقيقة المطلقة، فكل شىء نسبى غير الله المطلق الواحد سبحانه وتعالى، فللأسف، فالتاريخ يؤكد أن هذا الصراع ورفض الآخر وجد مع الإنسان منذ حادثة قابيل وهابيل، كما أن رفض الآخر لم يختصر فى رفض دين للدين الآخر، بل رفض أتباع الدين الواحد بعضهم لبعض، وهذا ما رأيناه وما زلنا نراه حتى الآن بين الأديان وبين أتباع الدين الواحد الشىء الذى اعتمدت عليه تلك المخططات الاستعمارية فى تقسيم المنطقة على أسس دينية وعرقية، نعم رفض الآخر لم يقتصر على منطقتنا، ولكن كان فى أوروبا حيث الصراع بين الكاثوليك والبروتستانت الذى دام ثلاثين عاما 1618-1948 وانتهى بمعاهدة وتيست فاليا، ولكن كان هناك فكر جديد بدأ بابن رشد وصولاً بمارتن لوثر 1517، ذلك الفكر الذى اعتمد على العقل لا النقل، وهذا الفكر الذى حاول أن يسقط الدوجما حتى يفتح الطريق لقبول الآخر، أما فى منطقتنا مازال رفض الآخر يعتمد على مفهوم الأقلية والأكثرية العددية ذلك المفهوم الذى لا يسر صحة الأفكار ولا سلاسة التفسير، وإليك هذا المثل الصارخ والمؤلم لفكر دينى مسيحى مازال متخلفاً ومتوهماً أنه يمتلك الحقيقة المطلقة، وأنه هو وحده الفرقة الناجية التى حجزت السماء، دون سواها خرج علينا الأنبا مكاريوس أسقف المنيا الذى استهواه الظهور الذى استملح وصف الأتباع له بأنه أسد الصعيد، حيث يقوم بدور ليس دوره فيما يتصور أنه المسؤول الحصرى عن الأقباط، مسقطاً دور الدولة، مجهضاً لحقوق المواطنة للأقباط عكس ما يصور له خياله، خرج يقول عن الكاثوليك والبروتستانت «إن الكنيسة الأرثوذكسية تقوم على أساس رب واحد وإيمان واحد ومعمودية واحدة، أن الكاهن الكاثوليكى الذى يجرى المعمودية غير معترف بكهنوته من الأرثوذكسية ولا بأسراره المقدسة»، وأضاف لا فض فوه، أن الأرثوذكس من القرن الأول والكاثوليك جاؤوا مع الحملة الفرنسية ولا يتجاوز عددهم 160 ألفا، والبروتستانت جاؤوا مع الاستعمار البريطانى وعددهم 500 ألف، بينما يتراوح عدد الأرثوذكس 17-21 مليونا، متسائلاً معرفش جايين يعملوا إيه»، هذا نموذج صارخ لفكر دينى خاطئ، ومتخلف ومتعصب، ورافض للآخر، فإذا كان لا يؤمن بالكهنوت الكاثوليكى فهم لا يؤمنون بكهنوته أيضاً، وهم أساسهم رب واحد وإيمان واحد ومعمودية واحدة، ومع ذلك يريدون التقارب والتوحد، حيث يقبلون الآخر الآن، والبابا فرنسيس اعتذر للبروتستانت لما تم ضدهم من حروب، وهذا هو قمة قبول الآخر، وإذا كان هو من القرن الأول موجود، فهل الكاثوليك والبروتستانت، حيث جاءت العقيدة بعد ذلك؟ أليسوا هم مصريين؟ أم أن مصر هى عزبة لك وحدك؟! وبالقياس لا يحق للمسلمين الوجود، حيث جاء الإسلام إلى مصر بعد المسيحية، كما أن التحدث على الأرضية العددية فهذا قمة الطائفية وطريقا لتفتيت للوطن بكامله، بل هذا هو طريق التقسيم المستهدف للمنطقة، وبالقياس أيضاً لا يصبح للأقلية العددية القبطية، وجود أو حقوق فى ظل الأغلبية المسلمة، كما أن الادعاء بعدد الأرثوذكس من 17-21 مليونا، هذا ادعاء غير صحيح ولا يملكه أحد، وإثارته تأكيد للقسمة الطائفية على أرضية العددية، وهذا لا ولن يكون فى صالح الأقباط تحديداً، فالحل لن يكون بلبنان آخر، ولا بدور مزعوم لرجال دين ليس لهم دور خارج الكنائس، ولا برفض الآخر الدينى غير الدينى، هذا حديث يسىء إلى الكنيسة والأقباط ومصر كلها، حمى الله مصر من شرور التعصب الأعمى.