أواصل قراءاتى فى الملف الأمريكى وسياسيات البيت الأبيض تجاه دول المنطقة العربية وتأثير علاقتها الحميمية مع إسرائيل التى تعد أحد معوقات إقامة علاقات طيبة بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول العربية، وإذا كنا نتحدث عن علاقة أمريكا بمنطقة الشرق الأوسط فإننا لا يمكن أن نتجاهل الزواج الكاثوليكى بين إسرائيل وأمريكا وهى العلاقة التى أدت إلى إعلان أمريكا انحيازها لكل خطايا إسرائيل تجاه العرب وفلسطين، وهناك الآلاف من الوثائق والكتب التى خرجت لترصد هذه العلاقة الغريبة، ففى عام 2007 خرج علينا كل من «جون ج. ميرشايمر» و«ستيفن م. والت» الذى حمل عنوان «اللوبى الإسرائيلى والسياسة الخارجية الأمريكية»، وترجمه الكاتب سعيد الشطبى يقول المؤلفان «جون ج.
ميرشايمر» و«ستيفن م. والت» فى وثيقتهما الخطيرة أن إسرئيل من الدول المستفيدة من هذا الوضع لها إمكانية شراء كميات كبيرة من السلاح بثمن منخفض، والمشاركة فى مشاريع البحث والتنمية ومبادرات مكافحة الإرهاب الأمريكية، زد على ذلك أن «الولايات المتحدة تدعى أنها تخزن ترسانة من السلاح فى إسرائيل للتدخل السريع فى حال الأزمات، إلا أن الحقيقة هى أن هذه الترسانة توجد هناك للزيادة فى حجم الاحتياطى المادى الإسرائيلى من حيث العتاد العسكرى، وفضلا عن هذا وذاك، ينقل الكاتبان عن مصادر إفادات تؤكد أن الرئيس جورج بوش سمح بنقل المعلومات العسكرية، لحظة استقبالها، إلى الإسرائيليين خلال قصف العراقيين لإسرائيل بصواريخ «سكود» فى حرب الخليج سنة 1991.
الكتاب يقف أيضا على حجم الدعم الدبلوماسى الأمريكى الذى تستفيد منه إسرائيل، ويعرض لمجموعة من الحالات التى تجسده منها أن أمريكا لعبت دورا كبيرا فى جهود المفاوضات التى لم تفض إلى أى اتفاق بعد حرب الستة أيام، وفى المحادثات التى وضعت حدا لـ«حرب الاستنزاف» سنة 1970.
ولم يختلف تعامل الإدارة الأمريكية على عهد «كلينتون» عن الإدارات السابقة، ولاسيما أثناء مفاوضات التوصل إلى اتفاقات أوسلو سنة 1993. فرغم الخلافات التى كانت تنشأ بين الطرفين الأمريكى والإسرائيلى حول بعض النقاط، كان الوسطاء الأمريكيون يميلون دائما إلى ترجيح كفة الاقتراحات الإسرائيلية والضغط على الفلسطينيين لتقديم التنازلات.
وأمام هذا الدعم السخى على جميع جبهات التعامل الأمريكى الإسرائيلى، يتساءل المؤلفان حول مبرراته الحقيقية وحول ما إذا كانت قيمة الدعم تناسب ما تجنيه الولايات المتحدة نظير ذلك، وينتهيان إلى خلاصة مفادها أن إسرائيل هى المستفيدة الوحيدة، إلا أنهما يعودان إلى عرض التبريرات التى يقدمها الساسة الأمريكيون التى غالبا ما ترتبط بالدواعى الاستراتيجية. ففى الثمانينيات، مثلا، قال جامعيون مثل «ستيفن سبيغل» و«أ.ف.ك. أورغانسكى»: إن إسرائيل أضحت تشكل معطيا استراتيجيا كبيرا خلال الحرب الباردة، وأن المساعدة الأمريكية تشكل مسألة مهمة فى العلاقات الأمريكية الإسرائيلية بالنظر إلى الفوائد التى تجنيها أمريكا من وراء ذلك. واليوم، تصرح منظمة «إيباك»، أكبر جماعة ضغط موالية لإسرائيل فى الولايات المتحدة من حيث الأهمية، بأن الولايات المتحدة وإسرائيل منخرطتان فى «شراكة استراتيجية مهمة من أجل مواجهة الأخطار التى تهدد الأمتين معا».
ويستحضر المؤلفان بعض ما يمكن أن تكون إسرائيل أسدته إلى أمريكا من خدمة مقابل ما تتمتع به من سخاء أمريكى، إلا أنهما يكتبان: «صحيح أن الخدمات التى أسدتها إسرائيل إلى أمريكا فى تلك الفترة كان لها دور ما فى حسابات هذه الأخيرة، إلا أنها لم تكن بتلك الأهمية الاستراتيجية الكبرى التى تصورها البعض، فلا يوجد أى دليل مادى ملموس يؤكد أن المعلومات التى توصلت بها أمريكا من إسرائيل أسهمت بشكل كبير فى تمييل الكفة الأمريكية على حساب السوفياتية»، ولا يقتصر الأمر على قصور الخدمة الإسرائيلية تجاه الأمريكيين، بل إن ما قامت به إسرائيل من أفعال فى المنطقة أساءت به إلى أمريكا على كثير من الجبهات. فقد تسببت إسرائيل، بفعل اجتياحها للبنان سنة 1982، فى الإساءة إلى استقرار المنطقة وأدت، بشكل مباشر، إلى خلق حزب الله، حملة الاستيطان الطويلة فى الضفة والقطاع التى مولت بشكل غير مباشر من قبل الأمريكيين ونُفذت بالسلاح الأمريكى، تسببت هى الأخرى فى حدوث انتفاضتين كبيرتين قُتل خلالهما آلاف الفلسطينيين والإسرائيليين. «أين القيمة الاستراتيجية لإسرائيل، إذن، عندما لم تسهم بأى مجهود فى ضمان مصلحة حيوية أمريكية فى المنطقة وهى تسهيل الوصول إلى بترول خليج فارس؟»، يتساءل المؤلفان.
اللوبى اليهودى.. من هو؟ ويعرف المؤلفان اللوبى اليهودى بكونه جماعة ضاغطة تدافع عن مصالح على حساب أخرى، وتحيل هذه العبارة على عدد من الأفراد والمنظمات التى تعمل بنشاط على مستوى توجيه السياسة الخارجية الأمريكية فى اتجاه يخدم مصلحة إسرائيل. وبالنسبة إلى اللوبى الإسرائيلى، يبقى من الصعب تحديد مفهومه، إلا أن المؤلفين يتفقان على كون اللوبى له مركز ومحيط، فهو ليس منظمة مركزية يملك أعضاؤها بطاقات انتماء ويخضعون إلى طقوس معينة، لكن هناك مركزا يتكون من منظمات وأشخاص مؤثرين هدفهم الأول والمعلن هو تشجيع الحكومة والشعب الأمريكيين على منح مساعدة مادية لإسرائيل، بيد أن هذا لا يعنى أن كل أمريكى مساند لإسرائيل ينتمى، بالضرورة، إلى اللوبى الإسرائيلى. «يتبع».