الرئيس اليمنى السابق على عبدالله صالح، الذى تم اغتياله على يد الحوثيين، أصدقاء الأمس، أعداء اليوم، يمثل لغزا شديد التعقيد، فالرجل مسلم (زيدى) مرة يتعاطف مع الشيعة، وفى القلب منهم الحوثيون الموالون لإيران، ومرة يتعاطف مع أهل السنة، وما بين المذهبين، تتأرجح مواقفه حسب مصلحته الشخصية، وبمعنى أوضح، كان يلعب على كل الحبال، فكانت نهايته مأساوية!!
والزيدية، لمن لا يعرف، طائفة دينية إسلامية، تنتسب إلى زيد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب، وتسمى أحيانا بالهادوية، نسبة للإمام الهادى إلى الحق يحيى بن الحسين الهاشمى، والذى حارب القرامطة، وعقدت له الإمامة فى اليمن.
أيضا مصطلح «الزيود» يطلق على قبائل يمنية كحاشد وبكيل والكحداء وأنس وسنحان، ورغم ذلك فإن معظم هذه القبائل لا تعتنق المذهب الزيدى، ومن أشهر «الزيود» الداعية عبدالمجيد الزندانى، مؤسس جامعة الإيمان باليمن، ومؤسس الهيئة العالمية للإعجاز العلمى فى القرآن والسنة بمكة المكرمة، ورئيس مجلس شورى حزب التجمع اليمنى للإصلاح.
كما يعتبر بعض علماء ومشايخ الزيدية محسوبين على أهل السنة أيضا كالإمام الصنعانى والإمام محمد الشوكانى، ويتم تدرس كتبهم فى الجامعات والمدارس الدينية السنية، تحت زعم أنه لا يوجد فروقات كبيرة بين أهل السنة والزيدية.
تأسيسا على ما سبق، يتبين أن على عبدالله صالح، كان يلعب على كل الحبال، إذا كانت مصلحته مع أهل السنة، فهو سنى المذهب، وإذا كانت مصلحته مع الشيعة، فهو شيعى المذهب، وهو منطق عفن، وخال تماما من كل القيم الدينية والأخلاقية والوطنية، فلا يمكن أن تحصل على لونين من البلح من نفس النخلة!!
ويظهر لعب على عبدالله صالح على كل الحبال، عند اندلاع ثورة خراب ودمار اليمن فى 2011 ، ومحاولة اغتياله ونجا بأعجوبة من الموت، وذهب للمملكة العربية السعودية، وتلقى علاجا مكثفا هناك، وعاد لليمن بعد إطلاق المبادرة الخليجية، التى تضمنت تركه للسلطة، فى مقابل استحداث نص قانونى يحصنه من الملاحقة القانونية طيلة حياته، ورغم هذه الاتفاقية والمساندة الخليجية له، إلا أنه تنكر للخليج فيما بعد، وتضامن مع الحوثيين، ودعم شوكتهم، ورسخ نفوذهم للسيطرة على اليمن، وتصبح صنعاء عاصمة إيرانية تهدد الإقليم برمته.
الحصانة القانونية، التى وفرتها المبادرة الخليجية لعلى عبدالله صالح، أقرها مجلس النواب اليمنى، واعتبرها سيادية لا يجوز الطعن عليها، وصدر قانون بشأنها نصه كالتالى: «منح على عبدالله صالح، الحصانة التامة من الملاحقة القانونية والقضائية.. وتنطبق الحصانة من الملاحقة الجنائية على المسؤولين، الذين عملوا مع الرئيس فى مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والأمنية فيما يتصل بأعمال ذات دوافع سياسية قاموا بها أثناء أدائهم لمهامهم الرسمية، ولاينطبق ذلك على أعمال الإرهاب، المرتكبة أثناء أداء الخدمة على مدار حكمه لمدة 33 عامًا».
وما إن تمكن على عبدالله صالح، من تحصين نفسه قانونيا، حتى فوجئنا بانقلابه على دول الخليج، ووضع يده فى يد الحوثيين، ومكن إيران من بسط نفوذها على اليمن، فما كان من دول الخليج إلا تشكيل تحالف لإعادة اليمن من براثن إيران، تحت اسم عاصفة الحزم، ومنذ ثلاث سنوات، وعلى عبدالله صالح يقاتل فى صفوف الحوثيين كتفا بكتف، ومانحهم كل أسراره العسكرية، وقوته على الأرض، فأصبح كتابا مفتوحا أمامهم، واستطاعوا تجنيد عدد كبير من قيادات وأعضاء حزب على عبدالله صالح، وتمكنوا أيضا من استمالة أقرب رجاله، وعندما انقلب صالح عليهم، كان اصطياده سهلا ويسيرا، ولم يمثل معاناة.
وبعد تصفيته، استطاع الحوثيون قتل وإعدام القيادات الباقية من حزب على عبدالله صالح، وتركت الموالين لهم، ويمكن أن نقولها بوضوح، إن شوكة ونفوذ حزب على عبدالله صالح تقلصت، ولن تقوم له قائمة، وأن الحوثيين حققوا انتصارا مهما ضد دول التحالف، سيظهر انعكاساته السلبية مستقبلا، إن لم يكن هناك تحرك سريع ودعم قوى لرجال الرئيس اليمنى الأسبق، بشكل كبير، ولملمة الشعب اليمنى وتوحيد صفوفه ضد الحوثيين، بشتى الوسائل والطرق.
تصفية على عبدالله صالح، بهذه الكيفية، رسائل مهمة ومحورية لكل الذين يحاولون اللعب على كل الحبال، وأن مهما بلغت قدرات البعض وإجادة فنون اللعب على أكثر من حبل، فإنه لن ينجو من مخاطر القفز من حبل إلى آخر، بمنتهى السهولة، وستأتى عليه لحظة فارقة يدفع حياته ثمن غاليا وباهظا لعشق اللعب على كل الحبال.
ومن هؤلاء الذين يلعبون على كل الحبال، من عينة المعارضة المصرية وأدعياء الثورية الذين يرتمون فى أحضان جماهة الإخوان الإرهابية وحلفائهم، وأيضا بعض الشخصيات من عينة أحمد شفيق ورجال حزبه، خاصة صديقه الصدوق، قدرى حسين، بجانب صباحى والبرادعى والأسوانى وكل الذين يطالبون بالمصالحة مع الجماعة الإرهابية، وإعادة دمجهم فى الحياة السياسية، فلابد لهم أن يضعوا حادث تصفية على عبدالله صالح أمام أعينهم، فلا يوجد أية فوارق بين الحوثيين وجماعة الإخوان الإرهابية!!
نعم، نقولها وبأريحية، لا يوجد أية اختلافات جوهرية كانت أو هامشية، فى نهج وعقيدة جماعة الحوثيين باليمن وخارجها، وبين جماعة الإخوان الإرهابية، سواء فى مصر أو خارجها، تركيا وقطر وغيرهما، وأن الجماعتين تبحثان فقط عن مصالحهما، بالوصول للسلطة، وحكم العالم.
الحوثيون يريدون نشر وتصدير الثورة الشيعية للسيطرة على العالم، والإخوان يريدون أستاذية العالم أيضًا، ومن أجل هذه العقيدة، لديهم استعداد بالتضحية بأى شخص أو جماعة أو وطن، بخسة وقذارة لا حدود لها!!