المواجهة ليست بالعدد، والقوة ليست بالسلاح فقط، وكانت اقوى معارك الفلسطينيين فى مواجهة الاحتلال الإسرائيلى هى الانتفاضة الأولى والثانية، والتى استمرت كل منها أكثر من 5 سنوات. والتى سجلت تضامنا وتأييدا عالميا أكثر من أى مواجهات أخرى. وهى دروس يفترض أن يعيها هؤلاء الذين يكتفون باللطم والمزايدة. وكانت الوحدة هى مفتاح الفوز.
بالرغم من مرور كل هذه السنوات والشتات الفلسطينى الطويل، احتفظ الفلسطينيون بقضيتهم حية، وفشلت إسرائيل بكل عنفوانها كقوة احتلال فى محو الهوية الفلسطينية والتراث والثقافة. والأشعار والأغانى والرقصات. وإذا كان الحديث اليوم يتجدد عن مواجهة العدوان والقرارات الأمريكية المنحازة، فإن الفلسطينيون ومعهم العرب بكل ما تبقى من اصوات يمكنهم استغلال قرار ترامب، لإحياء النضال السلمى الفلسطينى فى مواجهة الاحتلال. والمواجهة ليست فقط بالسلاح، والحروب، بل بالنضال الطويل والذى يكشف عن الوجه العنصرى للاحتلال الإسرائيلى.
وكانت وحدة الفلسطينيين هى الورقة الأكثر اهمية فى المواجهة، وكانت الانتفاضتين الأولى والثانية، أعلى مراحل الكفاح، ونجح الفلسطينيون بصدور عارية وحجارة فى مواصلة الانتفاضة الأولى 6 سنوات والثانية 5 سنوات، وهى اطول فترات المواجهة، والتى انتهت بنتائج على الأرض أفضل من نتائج كل الملاسنات والبيانات واللطم والصراخ.
كانت الانتفاضات الفلسطينية التى توحد فيها الفلسطينيون قبل أن تظهر التقسيمات الفئوية والمذهبية والعرقية. وما نزال نتذكر صور الأطفال الفلسطينيين والشباب هم يواجهون الدبابات والجنود الإسرائيليين بصدور عارية. بدأت الانتفاضة الفلسطينية الأولى 8 ديسمبر 1987، وكانت الأكثر تأثيرا على المستوى الفلسطينى والعربى والدولى، ونقلت محطات وصحف العالم صورا وفيديوهات عن جنود مدججين يضربون ويسحلون ويقتلون أطفالا عزل إلا من حجارة.
"انتفاضة الحجارة"نجحت الانتفاضة لأنها جمعت الفلسطينيين قبل أن تظهر الانقسامات والشروخ، كانت هناك " القيادة الوطنية الموحدة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية ". بدأت الانتفاضة فى جباليا بغزة، وانتقلت إلى كل مدن وقرى ومخيّمات فلسطين. بعد قيام سائق شاحنة إسرائيلى بدهس مجموعة من العمّال الفلسطينيّين على حاجز «إريز»، الذى يفصل غزة عن أراضى فلسطين. وهو ما يكشف أن الإسرائيليين هم من اخترعوا الدهس، قبل أن تصل إليه آخرون. وقتل حوالى 1350 فلسطينيا، بينما قتل 160 إسرائيليا. وصلت الانتفاضة إلى أعلى مستوى لها فى شهر فبراير 1988، وأعلن إسحق رابين أمام الكنيست: ""سنكسر أيديهم وأرجلهم لو توجب ذلك".
وبالفعل انتشرت صورا لجنود يكسرون أذرع فلسطينيين عزل فى نابلس عملاً بما هدد به رابين. ودارت الصور حول العالم مما أثار مشاعر التعاطف مع الفلسطينيين ومثل فضيحة، دخل مصطلح " انتفاضة" ميدان الصحافة العربية والغربية التى تناقلته بلفظه العربى، وتواردته ألسنة المحللين والمؤلفين حتى داخل إسرائيل.
إسرائيل بدأت سياسة تهميش منظمة التحرير، والإيقاع بين حركة حماس والفصائل الأخرى. هدأت الانتفاضة 1991، وتوقفت مع توقيع اتفاقية أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993. بعد 6 سنوات، وما تزال تمثل واحدة من اهم نماذج الكفاح السلمى الناجح، وصدرت مئات الكتب العربية والأجنبية حول الانتفاضة كشكل جديد للكفاح.
أما الانتفاضة الفلسطينية الثانية أو "انتفاضة الأقصى"، فقد اندلعت فى 28 سبتمبر 2000 كانت شرارة اندلاعها دخول رئيس الوزراء الإسرائيلى وقتها أريل شارون إلى باحة المسجد الأقصى برفقة حراسه. وتجمهر جموع المصلين وبدأت الانتفاضة. وكان مشهد الطفل محمد الدرة وهو يسقط برصاص الفلسطينيين يوم 30 سبتمبر بين يدى والده الأعزل خلف برميل فارغ، أيقونة أشعلت العالم كله غضبا ورفضا للهمجية الإسرائيلية. وانتشرت الصورة وتصدرت كل نشرات الأخبار وواجهات الصحف، وساهمت فى استمرار وتصاعد لانتفاضة. التى استمرت أكثر من 5 سنوات، واستشهد فيها 4412 فلسطينيا و49 ألف جريح. وقتل 1069 إسرائيليا بين جندى ومستوطن، وجرح 4500.
وتوقفت الانتفاضة فى 8 فبراير 2005 بعد اتفاق شرم الشيخ والذى جمع الرئيس الفلسطينى المنتخب حديثاً محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلى أريل شارون.
والمفارقة أن العام التالى كان بداية الانشقاق والصراع الذى شق الصف الفلسطينى ومعارك قتل فيه فلسطينيون بأيد فلسطينية. فى سبيل التصارع على سلطة منقوصة، فى حرب لا يكسب منها سوى العدو. وهى مفاتيح القوة التى يستهين بها البعض بينما هى اقوى من الرصاص.