أواصل قراءاتى فى الملف الأمريكى وسياسات البيت الأبيض تجاه دول المنطقه العربية وتأثير علاقتها الحميمية مع إسرائيل التى تعد أحد معوقات إقامة علاقات طيبة بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول العربية، حيث نواصل نشر البحث الذى وضعه رأفت حمدونة، المختص فى الشؤون الإسرائيلية، وحمل عنوان «المعونات الأمريكية لإسرائيل الأسباب والتجليات»، وفيه يكشف عن مبررات الدعم كما تسوقها أمريكا ما عن وجود ملايين اليهود فى الولايات المتحدة سبب فى إيجاد أذان صاغية لتطلعات اليهود، وكذلك كون لهذه التطلعات صلة بما هو مكتوب فى التوراة وما قيل عنه فى أقوال الأنبياء.
فكرة إقامة الدولة اليهودية أثارت تأييدا خاصا فى قلوب الأمريكان بسبب الكارثة التى لحقت بهم خلال الحرب العالمية الثانية، وتم النظر إلى تأييد اليهود، وكأنه تعويض العالم عما أصاب اليهود من معاناة جراء هذه الكارثة التى ألمت بهم ومنحهم ملجأ، ففى أواخر السبعينيات تبلور اللوبى الصهيونى كقوة سياسية ذات نفوذ وسلطان تملك الوسائل المالية والإعلامية الكفيلة بتحقيق أهداف إسرائيل على الساحة الأمريكية. ومع تزايد ثقته بنفسه وبقدرته على تحقيق أهدافه اتجه ذلك اللوبى إلى تبنى سياسة تقوم على مكافأة الأصدقاء، ومعاقبة الخصوم وعدم التورع عن تجاوز المحظورات فى سبيل الوصول إلى الهدف، وإذا كان نصيب الأصدقاء والعملاء قد شمل الحصول على التبرعات المالية السخية والدعاية المغرضة والتشكيك فى النزاهة والملاحقة فى مكان العمل والأذى الشخصى.
إن تزايد قوة اللوبى الصهيونى ونجاحه فى خلق مراكز النفوذ داخل مؤسسات الدولة الرئيسية وأجهزة ووسائل الإعلام جعل إسرائيل الطفل المدلل الذى لا يرفض له طلب والحليف الاستراتيجى الذى يستحل أن يرتكب الأخطاء، وكما قال بول فندلى عضو الكونغرس السابق: «أصبحت كل الأعمال التى تقوم بها إسرائيل ينظر إليها تصرفات فى مصلحة أمريكا»، الأمر الذى جعل القيام بنقد إسرائيل عملاً ضد المصلحة الأمريكية.
ومن المهم الذكر أن هناك مجموعة من العوامل دفعت فى اتجاه جعل ضمان أمن إسرائيل يمثل مصلحة أساسية للولايات المتحدة الأمريكية، فهناك نوع من الارتباط العضوى بين إسرائيل والولايات المتحدة يتمثل فى وجود قيم مشتركة وتواصل ثقافى بين المجتمعين الأمريكى والإسرائيلى، كذلك فإن الدور الذى تلعبه جماعات المصالح اليهودية فى الولايات المتحدة ووسائل الإعلام الأمريكية، قد خلق بيئة سياسية مؤيدة لإسرائيل فى الولايات المتحدة ورأياً عاماً معروفاً بتعاطفه وتأييده القوى لها فضلاً عن ذلك، فإن ضمان أمن إسرائيل كانت له أهمية فى الاستراتيجية الأمريكية فى المنطقة فى فترة الحرب الباردة، ففى ظل ظروف الصراع الأمريكى، السوفياتى كانت وجود إسرائيل قوية، من وجهة النظر الأمريكية، يضمن للولايات المتحدة مصالحها فى المنطقة فى مواجهة أى تهديد من دون حاجة إلى تدخل عسكرى أمريكى مباشر لحماية هذه المصالح.
- منحت الولايات المتحدة تأييدها لإسرائيل لكونها أيضا أمة ديمقراطية ومجتمع يفيض بقيم الحرية وثقافة الغرب الديمقراطية إسرائيل حظيت بتأييد خاص كونها كانت عمليا إحدى الديمقراطيات النادرة من بين الدول الجديدة التى تم تأسيسها منذ الحرب العالمية الثانية كون تجربتها استنهضت ذكريات تجربة الولايات المتحدة.
- إسرائيل كما هى الولايات المتحدة هى امة مهاجرين من أماكن مختلفة، أناس تركوا دول لا تسمح بدخول ضيوف إليها ووصلوا إلى شواطئ جديدة تشجعوا بها لبناء مجتمع عادل وحر «حسب تعبير المفكرين اليهود». وحتى روح الطلائعيين اليهود الذين بنوا إسرائيل يذكرون بالروح التى سادت أمريكا خلال فترة صباها وإنجازات الروح الطلائعية اليهودية فى مجالات الاقتصاد والمجتمع والعلوم والجيش حظيت بتقدير كبير فى الولايات المتحدة الذى يقدس مجتمعها الإنجاز والتقدم.
- التأييد الاقتصادى الأمريكى لإسرائيل تعاظم بسبب الاهتمام العميق والنشط الذى أبدوه يهود الولايات المتحدة لدولة إسرائيل ولجعلها مفتوحة الأبواب لهجرة اليهود إليها.
- وزاد اهتمامهم بسبب زيادة روح العداء العربى الذى يهدد وجود هذه الدولة، وبهذا رأينا كيف تعاظمت روابط العاطفة العارمة مع إسرائيل والرغبة فى مساعدتها من قبل كل يهود أمريكا دون أى اعتبار إلى ماضيهم أو مكانتهم أو أصولهم الطائفية لعلاقة يهود أمريكا مع إسرائيل ساعدت فى نسج علاقة منظمة بين دولتهم مع إسرائيل.
- أحداث 11 سبتمبر وقضية محاربة الإرهاب استطاعت إسرائيل لتستغلهما لصالحها وتقنع الأمريكان أن الدولتين يستهدفهما الإرهاب وعلى الطرفين مواجهة هذا الخطر.
تعد إسرائيل أكبر متلق للمعونة الاقتصادية والعسكرية الأمريكية المباشرة سنويا منذ عام 1976، وهى أكبر متلق لإجمالى المعونات منذ الحرب العالمية الثانية، وفى عام 2003 بلغ إجمالى المعونة الأمريكية المباشرة لإسرائيل ما يزيد عن 140 مليار دولار، ومن ناحية أخرى تحصل إسرائيل كل عام على 3 مليارات دولار فى شكل مساعدة خارجية مباشرة، وهو ما يساوى تقريبا خمس ميزانية المساعدات الخارجية الأمريكية. وبمقاييس الدخل القومى، فإن كل إسرائيلى يحصل من الولايات المتحدة على أكثر من 500 دولار سنويا، رغم أن إسرائيل تصنف على أنها دولة صناعية.. «يتبع».