بعد القراءة فى هذه التطورات المستمرة فى المنطقة أصبح من الواضح لنا أنها لم ولن تنتهى سريعا مع نهاية أيام هذا العام لأنها أصبحت مصحوبة بعدة تداعيات متراكمة على الدول العربية عموما وعلى الدول الخليجية خصوصا منذ تدهور الأحداث فى اليمن واغتيال على عبد الله صالح وإعلان الرئيس الأمريكى ترامب أن القدس عاصمة إسرائيل، وقرار نقل السفارة الأمريكية إليها مما جعل القمة الخليجية أمام تحديات جديدة إضافة إلى التحدى الذى يشكله النزاع مع قطر التى تحاول التدويل للمشكلة، واتخاذ إيران وتركيا كحلف داعم لها هذا من جهة إقليمية ، وعلى الجانب الآخر احتواء جبهة أوروبية أخرى بالإسراع بإبرام صفقات أسلحة من خلال شراء عدد كبير من الطائرات الفرنسية ثم عدد آخر من المقاتلات الإنجليزية لاستقطاب الدعم من هذه الدول وفتح الباب بالهجوم المستمر على دول المقاطعة، ولعب دور المظلومية والحصار عليها بإعلامها الموجه من قناة الجزيرة الذى ظل يصعد ويهاجم دول المقاطعة حتى ليلة انعقاد القمة مما جعل استحالة تحقيق اللقاء مع تميم أو إعطاء الفرصة له بالاستفادة من المشهد للاجتماع معه، فكانت الاعتذارات تظهر فى آخر وقت لعدم استغلال فرصة لقطر لتروج لنفسها بصورة الاجتماع مع الملوك وأمراء هذه الدول وفتح مجال لتليين أو تغيير مواقف .
لكن كان إصرار الكويت على انعقاد دورية اجتماع القمة و الحفاظ على كيان مجلس التعاون الخليجى لتحقيق أقل خسائر ممكنة مع الحضور بوزراء الخارجية لهذه الدول لتكون الرسالة لقطر أن هناك رد فعل عقابى على هذا التعنت والسلوك المستفز والدعم للحوثيين ولإيران فى اليمن وعدم التفاعل بشكل تنفيذى مع شروط المصالحة المطلوبة، ويظل هنا تقدير جهود الكويت بمحاولاتها لعدم شق الصف الخليجى وترميم ما يمكن بانعقاد الدورة ٣٨ للمجلس.
التطور الآخر يأتى بالتحركات العربية وعقد اجتماع وزراء الخارجية العرب والتى رفضت القرار الأمريكى للقدس وإصرار مصرى على الوقوف بحزم ضد تنفيذه بمباحثات مع أطراف الأزمة فلسطين والأردن وأطراف دولية تملك أوراق اللعبة السياسية مع أمريكا وهى روسيا التى رفضت هذا القرار أيضا، وبالتالى تحجيم الدور الأمريكى فى عملية السلام، وإدخال بدائل وفرض حلول ومحاور جديدة للتعامل .
ربما يأتى بالصدفة الرفض لدور قطر حتى لو كان بحضور تميم فغياب الآخرين كان رسالة عملية فى قمة التعاون الخليجى ، والرفض لدور أمريكا فى عملية السلام حتى لو كانت تنصب نفسها الراعى الرسمى لعملية السلام، وذلك يدل أن فى السياسة العقاب السياسى العربى يمكن أن يتم بدوبلوماسية وتشكيل تحركات وبناء تحالفات تكون أوراق ضغط على أطراف تجاوزت الخطوط الحمراء .
مصر تحمل هذه الخبرة، وتملك إدارتها التميز دائما فى تنوع الأوراق فى الأيام الأخيرة ربما بالصدفة أيضا كان آخرها زيارة رئيس روسيا وقمة الكوميسا الأفريقية ، ومن قبلها اتفاقيات مع اليونان وقبرص، فاللعب مع الكبار فن واحتراف، ومصر تقود هذه الدفة وسط الأمواج وبهدوء ونجاح لإغلاق أغلب المساحات التى قد تسمح للآخرين بتحقيق أهداف.