انتشرت مؤخرًا رواية أغرب من الخيال عن الفريق أحمد شفيق، دفعت به إلى مصاف رجال ضحوا بحياتهم، وتعرضوا لمخاطر الموت من أجل وطنهم، من عينة رأفت الهجان وجمعة الشوان، وغيرهما، وألبسته ثوبًا لا يليق به، ولم نعتد الرجل إلا مرتديًا «البلوفر»!
الرواية تداولها دراويشه ومريدوه، وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعى انتشار النار فى الهشيم، وتدور حول السبب الحقيقى لعودته فجأة للقاهرة، وأنه لعب دور البطولة فى اكتشاف أكبر مؤامرة على مصر!
نص الرواية يقول: «تلقى الفريق أحمد شفيق اتصالًا هاتفيًا من أيمن نور، الهارب فى تركيا، يعرض عليه عرضًا قطريًا سخيًا يتخطى المليار دولار نظير ترشحه للمنافسة على منصب رئيس الجمهورية، وطبعًا مكالماته متراقبة من جهتين، مصرية وإماراتية.. ومع ذلك قام شفيق بإبلاغ الجهات المصرية بنفسه، بما حدث والعرض الذى تلقاه، وطلبت منه الجهة المصرية إبلاغ الجهة الإماراتية، وتكثيف التواصل معهم لاستيضاح أبعاد المخطط.. ونفذ شفيق الخطة، واستدرج أيمن نور للفخ، وسجل المكالمات التى دارت بينهما، وبعث بالمعلومات إلى الجهتين السياديتين فى مصر والإمارات، واستغرق التواصل بين الفريق أحمد شفيق، وأيمن نور قرابة شهرين كاملين، وعندما طلبت منه الجهة القطرية الذهاب لباريس بحجة التواصل مع الجاليات، رصدت الأجهزة المصرية ترتيبات اغتيال سيادة الفريق فى فرنسا.
وتبدأ خطة الاغتيال بإعلان شفيق ترشيح نفسه لخوض انتخابات الرئاسة 2018، وبث البيان صوتًا وصورة على قناة «الجزيرة» من خلال فيديو يتم تسريبه، ثم يتوجه بعدها إلى باريس للترويج لبرنامجه والالتقاء بالجاليات المصرية فى الخارج، وهناك يتم تنفيذ الجريمة، وإلصاق التهمة بالنظام المصرى، وإحداث بلبلة كبيرة فى الشارع السياسى المصرى، وهنا كشفت الجهتان السياديتان فى مصر والإمارات الخطة، وتم تحويل مسار الطائرة من باريس إلى القاهرة لإنقاذ شفيق من الاغتيال».
إلى هنا انتهت الرواية، ورغم تفكك حبكتها الدرامية، فإن شكلها خادع لبسطاء هذا الوطن، وتوظيف واستثمار جيد لدراويش شفيق، للترويج باعتباره البطل المغوار، والوطنى الذى تتجاور قامته قيمة وقامة رأفت الهجان على سبيل المثال لا الحصر.
الحقيقة، وبمجرد أن أرسل لى عدد كبير من القراء المحترمين هذه الرواية، سواء على الإيميل أو حسابى على «فيس بوك» و«تويتر»، ورأيت بعضهم يصدقها وآخرين يتشككون، قررت أتحرى عن الحقيقة رغم قناعتى التامة أنها رواية مفبركة وأقرب منها إلى روايات الخيال العلمى، والأفلام الهندية التجارية، أو المسلسلات التركية المفعمة بالرومانسية الكاذبة، إذا علمنا أن الأتراك شعب عصبى للغاية ومتعجرف، ولا يعترف بالرومانسية!
وبالفعل أجريت اتصالاتى بعدد من المصادر المهمة، وأنا فى قمة الخجل، لعلمى وإدراكى أن الرواية لا يمكن أن تقترب حتى مجرد الاقتراب من منطقة الحقيقة، ولكن لكى يطمئن قلبى، وبمجرد عرض الرواية، كانت الإجابة نصًا: «واضح إن الصنف مضروب فى الأسواق هذه الأيام»!
نعم واضح من الرواية أنها كاذبة كذب الإبل، ولمن لا يعرف قصة «كذبة الإبل»، فإنها تعود إلى رعاة الإبل فى الصحراء، فكانوا يراقبون حركات شفاه الإبل عندما تلاحظ عن بُعد وجود أماكن خضراء وماء، ومع تكرار حركات الشفاه للإبل وعدم وجود أى مناطق خضراء مع كل مرة، أطلقوا القول المآثور «كذاب كذب الإبل»!
ورواية أن الفريق أحمد شفيق لعب نفس دور رأفت الهجان، أطلقها دراويشه ومريدوه بهدف تجميل صورته، فكيف لرجل هرب من وطنه فى أحلك الظروف، تحت ذريعة أنه سيؤدى العمرة، وبدلًا من أن يتوجه إلى المملكة العربية السعودية لزيارة الأماكن المقدسة كما قال، توجه إلى دولة الإمارات، ليستنجد بالأشقاء لإيوائه، وحمايته من خطر جماعة الإخوان الإرهابية.
ورغم أن المصريين خرجوا عن بكرة أبيهم فى 30 يونيو 2013 للإطاحة بالجماعة الإرهابية من الحكم، ونجاح الثورة فى إزاحة محمد مرسى العياط، رفض أحمد شفيق العودة رغم انتظار المصريين له، وذهاب عدد من القوى الوطنية إلى مقر إقامته فى الإمارات لإقناعه بالعودة، وأن البلاد فى أمسّ الحاجة إليه، إلا أنه رفض خوفًا على حياته، واندلعت موجة إرهاب لم تشهد البلاد مثلها، وقرر عبدالفتاح السيسى، القائد العام، وزير الدفاع حينها، أن يواجه بصدره ورجاله بجانب رجال الشرطة هذه الموجة المدعومة من دول وكيانات استخباراتية دولية، فى حين استمتع شفيق بالإقامة فى القصر المخصص له فى الإمارات!
هذه الإشكالية، وفقدان ثقة المصريين فى شفيق، ثم غضبهم من إعلانه خوض الانتخابات الرئاسية 2018 عبر منبرين كارهين لمصر، وكالة الأنباء الأمريكية «رويترز» وقناة الجزيرة القطرية الحقيرة، ومن ثم وضع سيادة الفريق دراويشه ومؤيديه فى موقف لا يحسدون عليه، مما دفعهم إلى تدشين رواية مفككة دراميًا عن الدور الوطنى الذى لعبه سيادة الفريق، والشبيه بما قدمه ولعبه رأفت الهجان، وجمعة الشوان!
ولك الله يا مصر!