وتسأل نفسك: كيف أواجه كل هذا القبح المنتشر فى حياتنا؟ وشيخنا وحبيبنا ورائد الموسيقى الشرقية فى العالم العربى الذى ألقبه باسم «أبانا الذى فى المقام الشرقى» زكريا أحمد يجيب.
بالجمال فحسب، ولا شىء غيره، هو العلاج الفعال الذى يقضى على أى قبح، فقد أورد الكاتب الكبير صبرى أبوالمجد فى كتابه القيم عن زكريا أحمد حكاية جميلة تؤكد أن العلاج الأمثل لكل ما يمر بنا من قبح هو الجمال فحسب، فقد كان شيخ الملحنين «زكريا أحمد» جميلا بحق، كان مثالا للشخصية المصرية الحقيقية، جدع ومجدع وابن بلد، «ولد عترة» تشم فيه رائحة الأرض وتلمح بداخله ابتسامة السماء، يد من قطيفة تربت على قلوب الضعفاء، وسوط من لهيب على وجوه المتكبرين، فيه التقت عبقرية الفنانين ونزقهم مع طيبة الأولياء ورقتهم.
تلك الحكاية واحدة من عشرات بل قل مئات الحكايات التى صاغها الكاتب الكبير صبرى أبوالمجد فى كتابه، وفيها يقول إن شيخ الملحنين الذى تحل ذكرى ميلاده الـ122 بعد أيام كان يذهب من حين لآخر مع أحد أصدقائه إلى أحد الكبابجية فى أحد الأحياء الشعبية، لكنه فى كل مرة كان يقابل كلبا عجوزا هرما على باب محل الكبابجى، فيطلب للكلب نصف رطل كباب ورغيف عيش، ويطلب لنفسه وصديقه نصف رطل، وكأن للكلب مثل حظ الرجلين، ومرة بعد مرة غضب صديق الشيخ منه، وقال له: يا أخى ساويينى بالكلب حتى، أنت كل مرة تعزمنى تجيب لى نص اللى بتجيبه للكلب؟ فصاح الشيخ قائلا: لا طبعا ده كلب عجوز ومبيلاقيش حد يحن عليه ولا يوكله والكلاب بتضربه طول الليل ومبتنولوش لقمة، لكن أنت ليك لسان وبتقول عايز آكل، إنما هو حيوان أخرس.
لم تنته الحكاية عند هذا الحد، فالأجمل قادم، فقد انتبه صاحب محل الكباب إلى ما يفعله الشيخ زكريا أحمد كل مرة مع الكلب، فغضب كثيرا، وحينما هم الشيخ بطلب طلبه للكلب كعادته، قال له صاحب المحل: لامؤاخذة يا أستاذ، أنت كل مرة تيجى توكل الكلب ده على حسابك، وده ميصحش لأن الكلب ده ابن حتتنا واحنا أولى برعايته. ففرح الشيخ وقال له: خلاص يا أخى، أنت أكله طول فترة غيابى، وأنا هأكله لما آجى بس، وبكده لا أنت تزعل ولا أنا أزعل.
هكذا استطاع الشيخ زكريا أحمد أن يستفز بجماله الفياض مخزون الجمال والجدعنة فى قلب الكبابجى الذى لا أستبعد أن يكون قد ضرب هذا الكلب العجوز مرارا وتكرارا قبل أن يذكره «أبانا الذى فى المقام الشرقى» بإنسانيته.