فى المقالة الماضية كان الكاتب الكبير محمد سلماوى قد أخذنا فى لحظة مشرفة من تاريخ مصر، عندما حكى لنا، فى مذكراته "يوما أو بعض يوم" والصادرة حديثا عن دار نشر الكرمة، عما فعلته كوكب الشرق أم كلثوم مع صاحب ومدير مسرح "الأولمبيا"، لكن هذه المرة يذكرنا سلماوى بحكاية محزنة حدثت فى نهاية حياة ام كلثوم هى "دار أم كلثوم للخير".
يقول محمد سلماوى فى مذكراته "ماتت أم كلثوم يوم 3 فبراير 1975، لكنها رحلت عن عالمنا وفى نفسها ألم من تلك الحرب الخفية التى شنت ضد مشروعها الخيرى الذى كانت تأمل أن تتركه لأبناء وطنها بعد رحيلها.
وكان المشروع قد حظى بالموافقة عليه وتحدد موقعه بالفعل، وهو أرض المعارض بالجزيرة، التى أقيمت عليها بعد ذلك دار الأوبرا الحالية، وكانت وقتها أرضا فضاء تقام عليها بعض المؤتمرات من آن إلى آخر، ومنها معرض القاهرة الدولى للكتاب فى دورته الأولى عام 1969، وكان سبب هذه الحرب هو التنافس غير المعلن مع مشروع خيرى آخر، هو "الوفاء والأمل"، التابع للسيدة جيهان السادات قرينة رئيس الجمهورية، ولم يقتصر التنافس، الذى كنا نشعر به جميعا، على المشروعين، وإنما امتد ليشمل صاحبتى المشروعين، فالأولى كانت لسنوات طويلة هى سيدة مصر الأولى، تحمل من الدولة جواز سفر دبلوماسيا، والثانية كانت كذلك بحكم كونها زوجة الرئيس، وقد وصل الأمر إلى حد المواجهة بينهما فى منزل المهندس سيد مرعى، صهر الرئيس، فى واقعة معروفة أدت بعد ذلك إلى القطيعة الكاملة بينهما.
فى ذلك الوقت ذهبت أم كلثوم إلى محافظ القاهرة، السيد حمدى عاشور، لتستطلع أسباب تعثر مشروعها الخيري، فقد كانت قد تقدمت بالجزء الأكبر من ميزانية المشروع قبل أن يطرح ما تبقى منها للاكتتاب العام حتى يشارك المواطنون فى إقامة دار "أم كلثوم للخير"، قال لها المحافظ إن الاكتتاب لم يأت بالمبلغ المطلوب، فسألته عن المبلغ المتبقي، فقال إنه 40 ألف جنيه. فكتبت له أم كلثوم على الفور شيكا بالمبلغ، لكن المشروع مع ذلك لم يتحرك قيد أنملة، وهو ما آلم أم كلثوم ألما شديدا، وماتت أم كلثوم والأمل فى قلبها، ومات معها المشروع الذى لم يجرؤ أحد على ذكره بعد ذلك، أو الإشارة إليه.
وحدها جريدة "الطلاب" التى كان يصدرها الاتحاد العام لطلاب مصر، والتى كان توزيعها محصورا داخل الكتب، كتبت بمناسبة حلول الأربعين لوفاة أم كلثوم تقول "نسأل مجلس الوزراء أين دار أم كلثوم للخير؟ معذرة سيدة الغناء العربي. لقد مضى 40 يوما، وستمضى دارك مثلما مضى تمثال عبد الناصر".