ما هى الدراما التى تدفعنا جميعا لأن نؤمن بأن صديقين فى كتيبة واحدة على أرض المعركة بسيناء، يتعاهدان على الدفاع عن الوطن سويا والموت فى سبيله سويا، فيسبق أحدهما الآخر بشهور قليلة، فيحضر «الحى» منهما جنازة «الفقيد» ويرافقه رحلته الأخيرة من المسجد إلى المقابر، يحمل المصحف الشريف.. يردد آيات الله الكريم رحمة ونور على روحه الطيبة، ثم ينزل معه القبر فى اللقاء الأخير، يقبل جبينه ويكون آخر من يراه قبل أن يغلق القبر عليه.
يسافر الصديق لأرض المعركة بعد أن تقبل العزاء فى وفاة صديقه، يتولى هناك نفس المهمة الموكلة لشقيق كفاحه فى نفس الكتيبة 103 بأرض الفيروز، أسابيع قليلة ويسقط الصديق شهيداعن نفس الأرض الطيبة، وهو يحمل فى أفروله العسكرى وصيته التى يفاجأ الجميع أنها تحمل توجيها منه بأن يدفن فى نفس قبر صديقه ورفيق كفاحه الشهيد أحمد المنسى.. قد تكون الوصية ثقيلة على أهله، سيدفن فى مقابر غير مقابر العائلة، ولكنها وصية اطمأن لها قبل استشهاده واستقر نفسيا أنه سيكون فى حال أفضل إن كان مستقره الأخير إلى جوار المنسى بنفس المقابر بالعاشر من رمضان.
أى دراما هذه التى تتطابق مع الواقع، لتنتج لنا 2 من أكفأ رجال الجيش المصرى، الشهيدين أحمد المنسى ووائل كمال، 2 من خيرة أبناء مصر، فى الخلق والأدب والحب للوطن والتضحية من أجله.. الوفاء المشترك للشهيدين كان عنوان رئيسى لمسيرة الحياة منذ بداية الالتحاق بالقوات المسلحة والإصرار على العمل فى سيناء وسط الظروف المتقلبة السنوات الماضية، ورفض النزول فى إجازات والقوة فى مواجهة العدو والتمسك بالمشاركة فى أى عملية عسكرية مهما كانت شدة الموقف.
المثير فى مسيرة استشهاد المقاتلين المنسى وكمال، أن وائل بعد استشهاد المنسى، كان يقتفى أثر المنسى ويتبع نفس نهج المنسى فى القوات المسلحة، يرتدى زيا مماثلا للمنسى، أطلق شاربه كالمنسى، حتى أنه تدرب على حمل الصقر كما كان يفعل المنسى، وكأنه كان يعرف أنه شهيد قريبا ويريد أن يفعل كل شىء مثل صديقه، اعتبره النموذج والقدوة وقرر أن يكون فقط مثله.
اللافت أنه بعد استشهاد المقاتلين المنسى وكمال، وردت إلينا قصصهما الإنسانية العظيمة عن طريقة تعاملهما مع أهالى سيناء ومدى الود بينهما وبين الجنود فى المعسكرات المختلفة بسيناء من رفع للروح المعنوية وتوعية من وقت لآخر بمدى الدور الذى يقدمه كل جندى فى سيناء من أجل البلد واستقرارها، فضلا عن الحرص الدائم لكليهما على زيارة أسر أصدقائهما من شهداءسيناء، وزيارة مقابر أصدقائهما والتواصل معهم اجتماعيا للتخفيف عنهم من وقت لآخر.
الواقع أن المنسى ووائل، رحلا عن دنيانا، ولكنهم عند رب العزة، شهيدين، دافعا عن الأرض وكانا خير سند لهذه الدولة، ضربا سويا مثالا عظيما فى الحب المشترك لمصر والتضحيةمن أجلها.. كانا رفيقان فى البطولة ومواجهة المعارك بسيناء.. وكانا رفيقان فى الشهادة من أجل أرض الفيروز.. وأبى كل منهما أن يبتعدا عن بعض.. فكانا رفيقان فى المقبرة.. وبإذن الله تعالى سيكونان رفيقين فى جنة الخلد.. اللهم آمين.