أواصل قراءاتى فى الملف الأمريكى وسياسيات البيت الأبيض تجاه دول المنطقة العربية، وتأثير علاقتها الحميمة مع إسرائيل، التى تعد أحد معوقات إقامة علاقات طيبة بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول العربية، وطبقا للموسوعة السياسية العالمية التى رصدت العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية والعدو الإسرائيلى، والتى مرت بعدة مراحل، لعب فيها اللوبى الصهيونى دوراً بالغاً ومؤثراً فى توجهات السياسة الأمريكية تجاه الصراع العربى الإسرائيلى فى الشرق الأوسط منذ قبل إعلان دولة إسرائيل عام 1948 وحتى الآن.
كان موقف الرئيس الأمريكى ويلسون حيال تقرير اللجنة وما تضمنه من توصيات موقفاً سلبياً بسبب ضغط الصهيونيين عليه، على الرغم من أنه أبدى فى أول الأمر شعوراً طيباً وعادلاً وتمسكاً بالمبادئ حين أصر على ضرورة سفر لجنة التحقيق الأمريكية إلى الشرق من أجل تعرّف رأى العرب فى مصير بلادهم.
ولذلك بقى تقرير لجنة كينج كرين مشورة غير ملزمة، ثم إن عاملاً جديداً طرأ على الموقف وأطاح توصيات اللجنة، وهو تدخل الاستخبارات الأمريكية فى قضية فلسطين لمصلحة الصهيونية، حيث عملت الاستخبارات الأمريكية فى الخفاء على تقويض السياسة الأمريكية التى تنادى بإعطاء الشعوب حق تقرير المصير وبدأت تنتهج نهجاً مغايراً تماماً للاتجاه الأول وتقدمت باقتراحات خاصة بالأوضاع السياسية فى مناطق الآستانة والمضايق (تركيا- أرمينيا- العراق- سورية- فلسطين- شبه الجزيرة العربية)، ليسترشد بها الرئيس الأمريكى ويلسون عند طرح قضايا هذه البلاد على مؤتمر الصلح فى باريس بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى.
وانتهت لجنة الشرق الأدنى التابعة للاستخبارات الأمريكية- والمنوط بها إعداد مقترحات محددة لمؤتمر الصلح من وجهة النظر الأمريكية- إلى رأى معين ثم اتصلت بالوفد الأمريكى فى مؤتمر الصلح وطلبت منه عرض هذه المبادئ على المؤتمر والتى تتلخص فى الآتى:
أ - فصل فلسطين عن البلاد العربية المجاورة، لكونها مهداً للكنائس اليهودية والمسيحية، وكانت القدس لسنوات عديدة وفى أوقات متفاوتة عاصمة لكلّ من اليهود والمسيحيين.
ب - وضع فلسطين تحت الانتداب البريطانى بإشراف عصبة الأمم، لأن سكانها من عناصر متباينة وتعوزهم الخبرة السياسية.
ج - توجيه دعوة ليهود العالم للعودة إلى فلسطين لاستيطانها على أن يكفل مؤتمر الصلح تقديم المساعدات لحماية الحقوق الدينية وحقوق الملكية التى يتمتع بها السكان غير اليهود وأن تتخذ عصبة الأمم سياسة من شأنها الاعتراف بفلسطين كدولة يهودية فور اتخاذها صيغة الدولة اليهودية.
د - وضع الأماكن المقدسة والحقوق الدينية التى تتمتع بها سائر الطوائف تحت حماية عصبة الأمم والدولة المنتدبة.
وفى إبريل 1920 وافقت الولايات المتحدة الأمريكية فى سان ريمو، على معاهدة سيفر التى استهدفت تقطيع أوصال الإمبراطورية العثمانية وتصفيتها وتوزيع ممتلكاتها فى الشرق والغرب بين بريطانيا وفرنسا وإيطاليا واليونان، وفيما يختص بفلسطين فقد نصت «المادة 90» على أن يعهد بإدارة فلسطين عملاً بأحكام «المادة 22» من ميثاق عصبة الأمم إلى دولة منتدبة تختارها الدول الكبرى المتحالفة، وأن تكون هذه الدول المنتدبة مسؤولة عن تنفيذ تصريح بلفور بإنشاء وطن قومى لليهود فى فلسطين، وأعلن مشروع صك الانتداب على فلسطين فى 6 يوليه 1921، وصُودق عليه فى 24 يوليه 1922، ووُضع موضع التنفيذ فى 29 سبتمبر 1922.
ويُعَدّ صك الانتداب نصراً آخر للصهيونية لأن المادة الثانية منه نصت على قيام الدولة المنتدبة بتهيئة فلسطين سياسياً وإدارياً واقتصادياً بما يضمن إنشاء الوطن القومى اليهودى، كما نصت المادة الرابعة على إنشاء «وكالة يهودية» من أجل تقديم المشورة لسلطة الانتداب والتعاون معها بما يؤدى إلى الإسراع بإنشاء الوطن القومى اليهودى. وخلال هذه المرحلة، ظهر التنسيق التام بين السياسة البريطانية وبين الصهونية من أجل تهويد فلسطين، كما باركت الولايات المتحدة الأمريكية الدور البريطانى من أجل تهويد فلسطين وإنشاء الوطن القومى لليهود، وفى 30 يونيو 1922 قرر الكونجرس الأمريكى، مساندة إنشاء وطن قومى للشعب اليهودى بفلسطين، مع المحافظة على الأماكن المقدسة والمبانى والمواقع الدينية، كما أكد الكونجرس أن الولايات المتحدة الأمريكية ستبذل مساعيها لدى السلطة المنتدبة بجعل أبواب فلسطين مفتوحة لدخول اليهود بحرية إلى ذلك القطر، مع توفير فرصة كاملة لهم للتنمية وبناء الوطن القومى.
وفى عام 1934، ومع تصاعد الهجرات اليهودية إلى فلسطين، بدأت الصهيونية فى دعم علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، من أجل ضمان تأييد تدفق الهجرات اليهودية، ولم يكن معنى هذا الانحياز قطع الصلة مع بريطانيا، فقد ظل دورها بارزاً فى مساندة الصهيونية فى فلسطين، وعندما قطعت بريطانيا شوطاً بعيداً فى إنشاء الوطن القومى لليهود، رأى زعماء الحركة الصهيونية أن الانتداب البريطانى فى فلسطين قد استنفد أغراضه، وبالتالى كان يجب التفكير الجدى فى التحول صوب الولايات المتحدة الأمريكية.. «يتبع»