أواصل قراءاتى فى الملف الأمريكى وسياسيات البيت الأبيض تجاه دول المنطقة العربية، وتأثير علاقتها الحميمة مع إسرائيل التى تعد أحد معوقات إقامة علاقات طيبة بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول العربية، وطبقا للموسوعة السياسية العالمية التى رصدت العلاقات بين دولة الولايات المتحدة الأمريكية والعدو الإسرائيلى التى رصدت تاريخ العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية التى مرت بعدة مراحل، لعب فيها اللوبى الصهيونى دوراً بالغاً ومؤثراً فى توجهات السياسة الأمريكية تجاه الصراع العربى الإسرائيلى فى الشرق الأوسط، بدءاً من قبل إعلان دولة إسرائيل عام 1948 وحتى الآن، وفى ضوء نتائج مؤتمر لندن الذى عقد فى مارس 1939 بحضور ممثلين عن الفلسطينيين وممثلى الدول العربية «مصر - العراق - شرق الأردن - السعودية - اليمن» وممثلى الوكالة اليهودية لبحث المشكلة اليهودية الذى انتهى بالفشل، وعندما وجدت الصهيونية عزم بريطانيا على تطبيق الكتاب الأبيض الثالث الصادر عام 1939، الذى يحد من الهجرات اليهودية وإنشاء دولة مستقلة فى فلسطين خلال عشر سنوات، بادر اليهود إلى نقل مركز الثقل الصهيونى إلى الولايات المتحدة الأمريكية لاقتناعهم بأهمية دورها خلال هذه المرحلة، خاصة بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية.
2 - تطور الأحداث خلال الحرب العالمية الثانية والتحول الصهيونى تجاه الولايات المتحدة الأمريكية: على أثر انتصار الحلفاء فى معركة العلمين، تغير ميزان القوى وتبدلت السياسة العالمية، فانعكست آثار ذلك على القضية الفلسطينية، وانتقل مركز الثقل الصهيونى إلى الولايات المتحدة الأمريكية فقد دعا الصهاينة إلى عقد مؤتمر فى فندق بلتيمور فى الولايات المتحدة الأمريكية فى الفترة ما بين 9 - 11 مايو 1942 لتدارس الموقف، وقد اتخذ هذا المؤتمر عدة قرارات مهمة، كان أولها شجب السياسة البريطانية تجاه فلسطين التى نص عليها الكتاب الأبيض الثالث عام 1939، وطالب المؤتمرون بضرورة إدخال مئات الألوف من المهاجرين اليهود الذين وقعوا تحت الاضطهاد النازى واضطرتهم ظروف الحرب إلى ترك منازلهم فى ألمانيا.
واتخذ المؤتمر قراراً يقضى بنقل مركز الثقل فى النشاط الصهيونى من بريطانيا إلى الولايات المتحدة الأمريكية لكى يستطيعوا ممارسة ضغطهم على الحكومة الأمريكية، لتتولَّى بدورها الضغط على بريطانيا لإلغاء ما جاء بالكتاب الأبيض لعام 1939.
والواقع أن الصهيونية العالمية لم تنقل نشاطها إلى الولايات المتحدة الأمريكية إبان الحرب بسبب الكتاب الأبيض فحسب، بل لأنها شعرت بانتهاء دور بريطانيا العالمى خلال الحرب وإحلال الولايات المتحدة الأمريكية محلها، وفى أثناء المناقشات التى دارت فى هذا المؤتمر، أوضح ديفيد بن جوريون أن إنشاء حكومة ثنائية فى فلسطين، أو نشوء أى حكم يضم العرب واليهود أمر غير ممكن، وأنه ليس هناك إلا حل واحد هو إنشاء الدولة اليهودية فى فلسطين، واتخذ المؤتمر ثمانية قرارات مهمة عرفت ببرنامج بلتيمور، تنظم العمل فى تلك المرحلة وتسعى لتحقيق أهداف الصهيونية، وأصبح برنامج بلتيمور بذلك البرنامج الرسمى للحركة الصهيونية، وقد صاحبه ظهور تعديل فى استراتيجية الحركة الصهيونية، فالحركة الصهيونية تعتمد على الولايات المتحدة الأمريكية بالدرجة الأولى، وبدأ الصهيونيون فى التحرك لكسب رجال السياسة الأمريكيين إلى جانبهم، وتجلى هذا التأييد المطلق فى المذكرة التى قدمها عدد كبير من أعضاء مجلس الشيوخ ومجلس النواب الأمريكى عامى 1942 بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لتصريح بلفور، مؤيدة الوطن القومى اليهودى فى فلسطين وممهدة لإنشاء كومنولث يهودى، كما أصدر عدد كبير من الهيئات التشريعية الأمريكية قرارات فى مصلحة الصهيونية، وتسابق المرشحون للرئاسة إلى نشر الوعود وإلقاء الخطب والتصريحات وكلّها فى مصلحة اليهود.
وفى يناير 1943، التقى مندوبون عن 32 منظمة يهودية لرسم حدود الدور الذى تضطلع به اللجنة الأمريكية اليهودية فى عرض مطالب اليهود بعد الحرب والمساعدة على إنشاء الدولة اليهودية فى فلسطين، وفى أغسطس 1943 عقد أول مؤتمر أمريكى يهودى يضم 46 جماعة يهودية، حيث تركزت اتجاهاتها على دعم الصهيونية وتصريحات مؤتمر بلتيمور، وهكذا أصبح للجماعة اليهودية الأمريكية «لوبى صهيونى» مكتمل النمو. ومن أجل توفير الضغط السياسى فى إطار المنظمة الصهيونية، أنُشئ «مجلس طوارئ صهيونى» يتولَّى اتخاذ القرارات المهمة فى المواقف العاجلة وتعبئة اليهود الأمريكيين فى حركة جماهيرية يهودية.
كما لقى الصهاينة تأييداً كبيراً من مختلف الأوساط الأمريكية، فقد وقّع 5 آلاف قسيس بروتستنتى أمريكى عريضة رفعوها إلى الحكومة الأمريكية والكونجرس، يطالبون فيها بفتح أبواب فلسطين على مصاريعها للهجرة اليهودية، هذا فضلاً عن أن وكالات الأنباء ومحطات الإذاعة والصحافة الأمريكية اضطلعت بدعاية واسعة النطاق للدعوة لمشروع إنشاء الدولة اليهودية.
وخلال الدورة الانتخابية لعام 1944، وعد روزفلت بالمساعدة على إنشاء دولة يهودية وإلغاء الكتاب الأبيض، كما وعد بزيادة المعونة لليهود فى فلسطين إذا ما نجح فى انتخابات الرئاسة كما عرض على الكونجرس الأمريكى مشروع قرار يطالب بفتح فلسطين للهجرة غير المقيدة لليهود، وتأسيس دولة يهودية حرة فى فلسطين، وجدد الرئيس روزفلت بعد انتخابه رئيساً للجمهورية فى مطلع عام 1945 تعهده لليهود بمساعدتهم على إنشاء دولة يهودية فى فلسطين غير أن معارضة مصر والمملكة العربية السعودية، خاصة بعد لقاء الملك عبدالعزيز آل سعود والرئيس روزفلت الذى عرض فيه الملك عبدالعزيز على الرئيس الأمريكى تطورات القضية الفلسطينية، فأعطى روزفلت الملك عبدالعزيز وعداً بعدم اتخاذ قرار ضد مصلحة العرب.. «يتبع».