أواصل قراءاتى فى الملف الأمريكى وسياسيات البيت الأبيض تجاه دول المنطقة العربية، وتأثير علاقتها الحميمة مع إسرائيل، التى تعد أحد معوقات إقامة علاقات طيبة بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول العربية، وطبقًا للموسوعة السياسية العالمية، التى رصدت العلاقات بين دولة الولايات المتحدة الأمريكية والعدو الإسرائيلى، التى مرت بعدة مراحل، لعب فيها اللوبى الصهيونى دورًا بالغًا ومؤثرًا فى توجهات السياسة الأمريكية تجاه الصراع العربى الإسرائيلى فى الشرق الأوسط بدءًا من قبل إعلان دولة إسرائيل عام 1948 وحتى الآن، حيث نستكمل طرق المساندة الأمريكية للعدو الإسرائيلى ومنها المساندة الأمريكية فى صورة طلعات استكشافية نفذتها طائرات (أف- 4سى) فوق الأراضى العربية، خلال الفترة من 5- 12 يونيه 1967، بالإضافة إلى شحن جوى لمجموعة متنوعة من منظومات الأسلحة سرًا، مع التصريح علنًا باستمرار حظر شحن الأسلحة إلى الشرق الأوسط فى 23 مايو 1967.
ومن ثم فإن العلاقات الإستراتيجية الأمريكية– الإسرائيلية خلال أزمة 1967 توضح الآتى:
- أن وقائع الأزمة ومجرياتها والتى اختُتِمَت بالحرب تشير لوجود علاقة أمريكية متميزة مسبقة.
- تفاهم إسرائيل مع الأمريكيين على أهداف الحرب وعلى بعض أشكال المساعدة العسكرية، التى ستتلقاها طوال فترة الحرب.
- قرار الحرب هو قرار إسرائيلى، سمحت به الولايات المتحدة الأمريكية بصورة جدية عندما وجدت أن إسرائيل تستطيع أن تُحرز نصرًا سريعًا لإسقاط النظام الحاكم أو إضعاف هيبة مصر فى العالم العربى وتدمير الأسلحة السوفيتية بالجيش المصرى.
- ظهور الولايات المتحدة الأمريكية بمظهر من يحمل حليفًا على الاعتدال خير من الظهور بمظهر من يحث أداة طيعة على العمل ضد القومية العربية وضد دول تسلحها موسكو.
وقد أدت هذه الأزمة إلى العديد من المؤشرات فى العلاقات الإسرائيلية ـ الأمريكية:
- أصبح لإسرائيل دور محورى فى منطقة الشرق الأوسط، وزيادة هيبتها فى المنطقة كدولة قادرة على تحقيق الأهداف الأمريكية وحماية مصالحها.
- أصبحت إسرائيل أداة لتنفيذ الإستراتيجية الأمريكية.
- أصبحت العلاقات الإسرائيلية- الأمريكية وثيقة وحميمة، وقفزت المعونة الاقتصادية الأمريكية لإسرائيل من 15 مليون دولار عام 1967 إلى 75 مليون دولار فى عام 1968.
- تحول السياسة الأمريكية فى عهد جونسون من الموقف الرافض لاحتلال الأرض باستخدام القوة- والذى تمسكت به الإدارات الأمريكية منذ عام 1949 - إلى قبول ما فعلته إسرائيل فى عام 1967.
- تطور الرؤية الأمريكية تجاه إسرائيل، لكونها- أىْ إسرائيل- المجتمع الديمقراطى الوحيد فى المنطقة فقد رأت أنها تمثل نموذجًا للتقدم والتنمية تحتاج إليه كلّ الأقطار العربية نفسها، وبذلك فإن نمو إسرائيل المستمر هو «مصلحة حيوية أمريكية» وهى رؤية نراها قد تخطت الرؤية السابقة بكثير، وقد انعكست تلك الرؤية على تعامل الرؤساء الأمريكيين سواء قبل انتخابهم أو بعده بتأكيد أمن إسرائيل ووجودها وضمان تفوقها العسكرى على الدول العربية من خلال حصولها على أرقى نظم التسليح التقليدى وغير التقليدى.
- إبراز الولايات المتحدة الأمريكية كدولة عظمى صاحبة اليد الطولى فى تقرير السياسة الدولية، وتأكيد عدم جدوى الاعتماد على الاتحاد السوفيتى.
وتشير كلّ الدلائل– وحسب الموسوعة– إلى فكرة أن سياسة دعم إسرائيل هى سياسة مجزية وتتفق معها كرصيد إستراتيجى ويؤكد ذلك كلّ التطورات والمؤشرات، التى تلت وفاة جمال عبدالناصر فى سبتمبر 1970، إذ مُدِّد وقف إطلاق النار على القناة لفترة غير محدودة، واعتمد الرئيس الأمريكى نيكسون التوجهات التالية:
- ضمان قدرة الدولة العبرية على الردع.
- وعد إسرائيل بعدم إكراهها على المشروع فى مسار تسوية النزاع العربى- الإسرائيلى وبما لا يتوافق مع مصالحها.
- جعل جهود روجرز المتواصلة أمرًا لا طائل فيه.
ويعنى ذلك أن ما كان تحقق من قبل هو نتيجة لقيود وضغوط متناقضة مع ما يقرره أصحاب القرار الرئيسيين داخل السلطة التنفيذية، ولكنه أصبح الآن سياسة مقصودة يرددها المقررون الرئيسيون وعلى سبيل المثال فإن:
- ضغط اللوبى اليهودى، أصبح غير ضرورى لأن الإدارة الأمريكية باتت مقتنعة بالدلالة الإستراتيجية للأسلحة، التى تطلبها إسرائيل.
- ارتفاع الاعتمادات العسكرية الأمريكية المخصصة لإسرائيل من 30 مليون دولار عام 1970 إلى 545 مليون دولار عام 1971.
- توقيع اتفاق سرى بين البلدَين فى ديسمبر 1970، يدور حول تبادل المعلومات فى المجال العسكرى، وقد كشف النقاب عن هيئة المحاسبة العامة فى تقرير صدر فى يونيه 1983 بشأن المعونة الأمريكية لدولة إسرائيل، وتضمن هذا الاتفاق إتاحة وتسهيل تبادل المعلومات المتعلقة بتنمية العلاقات الإسرائيلية- الأمريكية فى مجال التصنيع الحربى، خاصة المعدات الإلكترونية الحديثة وأسلحة جو/جو وجو/أرض المتطورة وأجهزة الرصد والمراقبة والمعدات الثقيلة. «يتبع»