أواصل قراءاتى فى الملف الأمريكى وسياسيات البيت الأبيض تجاه دول المنطقة العربية، وتأثير علاقتها الحميمة مع إسرائيل، التى تعد أحد معوقات إقامة علاقات طيبة بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول العربية، وطبقا للموسوعة السياسية العالمية التى رصدت العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية والعدو الإسرائيلى التى مرت بعدة مراحل، لعب فيها اللوبى الصهيونى دوراً بالغاً ومؤثراً فى توجهات السياسة الأمريكية تجاه الصراع العربى الإسرائيلى فى الشرق الأوسط بدءاً من قبل إعلان دولة إسرائيل عام 1948 وحتى الآن.
يؤكد تحالف الولايات المتحدة الأمريكية مع إسرائيل، كما يعنى انتقال التعاون بينهما لتحقيق مخطط مشترك من أجل ترتيب الأوضاع فى المنطقة لخدمة المصالح الأمريكية والإسرائيلية، وهذا يعنى أن تصبح إسرائيل الشريك الكامل للسياسة الأمريكية فى قضايا المنطقة وإن كلّ عمل تضطلع به إسرائيل توافق عليه الولايات المتحدة الأمريكية كحليف وعلى استعداد لمساندتها، كذلك يعنى الاتفاق زيادة القدرات العسكرية الإسرائيلية، خاصة تلك الهجومية على حساب التوازن العسكرى مع الدول العربية، ويقوى من دورها كرجل البوليس الأمريكى فى المنطقة. والجدير بالذكر أن الهدف الإسرائيلى الحقيقى من وراء هذا الاتفاق هو تحقيق أكبر قدر من الدعم الأمريكى فى كل المجالات «السياسية - العسكرية - الاقتصادية»، بما يحقق لإسرائيل زيادة فى قدراتها لإحراز التفوق الاستراتيجى على الدول العربية، ومن ثم فرض تسوية إسرائيلية للصراع العربى- الإسرائيلى تحقق أمن وسلامة إسرائيل، والواقع أن التطور المطرد فى العلاقات الإسرائيلية - الأمريكية، وصولاً لصيغة التحالف لم يمر دون مشاكل، خاصة من جانب المعارضة الداخلية الأمريكية للمساعدات الضخمة التى تقدم لإسرائيل، وقد جاء ذلك على لسان أبرز ممثلى الحزب الجمهورى الأسبق «بوب دول Bob Doll»، كذلك كان هناك التغير السلبى فى صورة إسرائيل كمجتمع للحرية والديموقراطية بعد غزو لبنان وأحداث الانتفاضة الفلسطينية، إلا أن هذا التغير قد أضر بمصالح إسرائيل وصورتها أمام العالم والإدارة الأمريكية، كما أضر بمصالح اليهود الأمريكيين وقدرتهم على ممارسة ضغوط على الإدارة الأمريكية.
الفترة الثالثة: العلاقات الإسرائيلية - الأمريكية «1989-1993»: حدثت خلال هذه الفترة العديد من المتغيرات وهى انتهاء الحرب الباردة بين القوتَين العظميَين الاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة الأمريكية، ثم حدوث حربَين فى منطقة الخليج الأولى بين العراق وإيران والتى استمرت ثمانية أعوام حتى عام 1988 واستمرار آثارها حتى عام 1990، ثم حرب الخليج الثانية بغزو العراق للكويت عام1990، ثم انعقاد مؤتمر السلام فى مدريد عام 1991، مع تبنى منظمة التحرير الفلسطينية - مدفوعة بالثقة التى استمدتها من الانتفاضة فى الأراضى المحتلة - مبادرة سلام تدعو إلى تعايش سلمى بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ثم تفكك الاتحاد السوفيتى أواخر عام1991، ومن ثم انفردت الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى وحيدة ووجدت الإدارة الأمريكية الجديدة - برئاسة الرئيس جورج بوش عام 1989- نفسها أمام اتجاهَين فى آن واحد وإن لم يتسق أحدهما مع الآخر، ويتمثلان فى الآتى:
الاتجاه الأول: الاستعداد لمواصلة التعاون الاستراتيجى مع إسرائيل على الرغم من أن انتهاء الحرب الباردة، يقوض أحد أسس هذا التعاون، ومن ثم أصبحت واشنطن قليلة الحماس إزاء إعطاء إسرائيل دوراً استراتيجياً فى الشرق الأوسط، وفى الوقت نفسه إعطاء مضمون لأول حوار رسمى أمريكى مع منظمة التحرير الفلسطينية، وهذا هو الاتجاه الذى أخذت به الإدارة الأمريكية.
الاتجاه الثانى: ويعنى التقدم على طريق إجراء تسوية فلسطينية - إسرائيلية، وإسرائيلية - عربية، وهو ما سيؤدى إلى إقامة دولة فلسطينية فى الأراضى المحتلة إلى إعادة النظر فى الدور الإستراتيجى الإسرائيلى، ولكن واشنطن لم تأخذ بهذا الاتجاه، نتيجة لصعوبته، من وجهة نظر علاقاتها الاستراتيجية والسياسية بإسرائيل، وإن كان يتفق مع المتغيرات والتوقعات العربية والفلسطينية، ومن ثم اتبعت سياسة الدعم التقليدى لإسرائيل وبما يحقق المصالح الأمريكية وبما يتفق مع المستجدات الدولية والإقليمية والتى تمثلت فى الآتى:
- مطالبة رئيس الحكومة الإسرائيلية «إسحاق شامير» بالتقدم بدوره خطوة باتجاه الفلسطينيين، ويقدم خطة سلام مع الحرص على إعطائه جميع الضمانات الضرورية لمواصلة التعاون الاستراتيجى الذى بدأته الإدارة السابقة «المشاورات - البحث والتطوير - تخزين المعدات الأمريكية فى إسرائيل - التدريبات المشتركة».
- قبول خطة شامير فى مايو 1989 بشأن الحكم الذاتى فى الأراضى الفلسطينية المحتلة كأساس للنقاش مع المصريين.
- تقليص الحوار مع منظمة التحرير الفلسطينية وتحجيمه.
- الإقفال المفاجئ لأبواب الهجرة المفتوحة فى الولايات المتحدة الأمريكية، أمام اليهود السوفيت بهدف توجيه تلك الهجرة نحو إسرائيل. ب. وفى ضوء المتغيرات العديدة التى شهدتها منطقة الشرق الأوسط خلال تلك الفترة، وهى تحولات ذات أهمية إستراتيجية، وتُعَدّ نتاجاً طبيعياً للتغيرات الجذرية التى طرأت على المنظومة العالمية، وقد شملت هذه المتغيرات: أولا، السماح لليهود السوفيت بالهجرة إلى إسرائيل وبما يؤدى إلى بناء إسرائيل الكبرى. ثانيا، تفاقم النزاع الإسرائيلى الفلسطينى وتجميد كل المبادرات لحل المشكلة الفلسطينية بسبب التعنت الإسرائيلى والتهرب من أيّ مبادرات تؤدى إلى تحقيق السلام ومنها مشروع النقاط الذى اقترحته مصر فى يونيه 1989.. يتبع.