فى الحقيقة أنا لا أتابع برامج مسابقات اكتشاف المواهب التى تقدمها بعض القنوات العربية، لأسباب عديدة لا يتسع المقام هنا لذكرها، لكنى لا أستطيع أن أغفل تلك الحالة التى أحدثها الطفل خالد الفايد الذى يبلغ من العمر 14 عاما، بينما يتعدى عمر صوته عمره الحقيقى بأضعاف مضاعفة، فقد ظهر هذا الطفل فى برنامج «فويس كيدز» ليحدث ضجة فى أوساط المتابعين الذين رأوا فيه الموهبة والأصالة والصدق، والتواضع أيضا، وتلك الصفات الأربع هى الصفات المطلوبة فى أى مبدع يريد أن يحافظ على إبداعه ويحفظ روحه من موبقات الشهرة وصراعات الحياة.
لو كان لى أن أنصح الطفل الصعيدى الموهوب «خالد الفايد»، فإن نصيحتى له لن تأتى بشىء جديد، فقط أريد منه أن يحافظ على الصفات الأربع التى ظهر بها فى البرنامج، وهى الصفات الكفيلة بأن تنجيه من محرقة برامج المسابقات التى ظهر من خلالها العديد من الأصوات، كما قضت على العديد من المواهب أيضا.
اللافت هنا فى موهبة «خالد» أنه حاز على كل هذا الإعجاب بعدما غنى أغنية طربية للفنان جورج وسوف الذى يعد الفنان الوحيد الملتزم بالتنوع المقامى فى أغنياته، فلا يقتصر وسوف كأغلب مطربينا الآن على مقامى «العجم والكورد» فحسب، بل يحرص بشكل «إدمانى» على الذهاب إلى المقامات الشرقية الأصيلة التى اختفت الآن من حياتنا وأصبحت غير موجودة إلا فى إذاعة الأغانى.
هذا الطفل بموهبته الصادقة واختياره الناجح، أخجل العديد من النجوم المتحققين الذين تعاهدوا على عدم الاقتراب من المقامات الشرقية الأصيلة وظلوا على مقامى الكورد والعجم عاكفين، وفى الحقيقة فإنى لا أفهم على الإطلاق أسباب حرص نجومنا الكبار على حرمان الأجيال الجديدة من هويتهم الموسيقية، وإجبارهم على تغيير وجدانهم الشرقى، ولا يجوز هنا أن يقول أحدهم إن الذائقة الشعبية هجرت هذا اللون من الغناء، بدليل أن أكثر المطربين العرب الآن التصاقا بالروح الشعبية المصرية والعربية هو جورج وسوف، كما أن غالبية الأغانى التى لاقت نجاحا كبيرا فى برامج المسابقات كانت أغنيات طربية شرقية أصيلة من إبداع كبار ملحنينا، مثل زكريا أحمد، ومحمد عبدالوهاب، ومحمد القصبجى، فلماذا هذا الإصرار الأعمى على انتزاع وجداننا وتشويه ذائقتنا وتدمير هويتنا؟