بين التهويل والتهوين، هناك منطقة يسكنها المواطن المتوسط، وهؤلاء يؤثرون ويتأثرون بما يجرى من مناقشات أو آراء. وأيا كان الموقف من مواقع التواصل فقد أصبحت سلطة يصعب تجاهلها، تؤثر على من يدخلها رغما عنه، وعلى كل من يتعامل معها أن يأخذها بميزاتها وعيوبها، فهى ليست مكانا منظما إلى أرفف أو أركان هادئة لشرب القهوة، وإنما هى مولد فيه الخبر والشائعة والسخرية والكآبة، لايصنع رأيا، ويفضل أن يحتفظ المستخدم ببعض دماغه ويكون رأيا قبل دخول العالم المتسع، لأنه إن دخل سوف يجرفه تيار ما. خاصة أنه فى مواسم الأحداث والخطابات السياسية هناك دوما من يبدأون بالسخرية والانتقاد بالقطعة، وربما يجذبهم لقطة أو وإفيه تغطى على ما عداها من تفاصيل. لكن المواطن المتوسط بعد أن يضحك أو يسخر يبدأ فى السؤال: ماذا يجرى؟
ومثلما تروج فى فترات الامتحانات جملة «الامتحان فى مستوى الطالب المتوسط» هناك دائما المواطن المتوسط وهو الذى يشكل الأغلبية، لا يقف عند حدود التأييد الدائم أو الرفض المستمر، يأخذ ويعطى مع الدنيا، يرى الأمر من زاوية مصلحته، التى تتلخص فى توازن الدخل والمصروفات، الأسعار والتعليم العلاج الانتقالات والخدمات. لكن المدهش أن هذا المواطن يتفاعل أكثر من غيره. بالرغم من أنه هو من يدفع ثمن أى اختلالات، وينطبق عليه المثل «فى الفرح منسية وفى الحزن مدعية». مع أنهم الأكثر تفهما وتفاعلا وتبرعا. بل هم الأكثر تحملا وتقبلا لربط الحزام وتحمل الضغوط وتفهم الظروف، بعيدا عن تهويل أو تهوين، كآبة أو نفاق.
فى كل مرة يثبت الضعفاء والفقراء والمحدودون فى مصر أنهم أقدر على التفاعل والاهتمام بشؤون دنياهم وبلدهم من كثيرين يفضلون البقاء على شاطئ الثرثرة، أو يفكرون فقط فى أرباحهم. المحدودون والمتوسطون هم الأكثر استعدادا للتبرع بالقليل، بينما الأثرياء ورجال أعمال يديرون ظهورهم ويعملون أنفسهم من «أطلانتا»، يقولون إنهم يدفعون الضرائب ويوفرون فرص عمل، يشكون من نقص الدولار ومشاكل الاستثمار. بل وينتقدون الفكرة وأن البلاد لا تبنى بالتبرعات. وبعضهم يمدح الغرب وديمقراطيته، من دون أن يتحدثوا عن «ضرائبه» ودور الأثرياء.
المحدودون هم من يبدون تفاعلا مع دعاوى المساندة، ربما لأنهم يرون أنهم ليس لهم مكان آخر يذهبون إليه، بينما أصحاب المال لديهم خيارات مختلفة منها ترك الجمل بما حمل. الأمر بحاجة أولا على تطبيق القانون فيما يتعلق بأراضى وحقوق الدولة ووضع تشريعات لضرائب تعيد توازن الحقوق والواجبات. المواطن الذى يتقدم الصفوف ويتشجع ويتبرع، يريد تحديدا للنظام الاقتصادى، يحدد الحقوق والواجبات ويوازن بين اقتصاد سوق متوحش، وعدالة تقوم على توزيع الضرائب والواجبات. السياسة فى مستوى المواطن المتوسط. المتبرع المتفهم.