العالم الافتراضى انعكاس للعالم الطبيعى، بتنوعاته وتناقضاته، وشخصياته المتعددة، ومثلما يوجد بشر طبيعيون، هناك مختلون ومجرمون وفاقدو أهلية. المتحرش فى الواقع، هو متحرش محتمل على فيس بوك، والنصاب والمبتز، وهؤلاء متوافرون فى العالم الافتراضى بنفس نسبتهم فى الواقع. وهو ما قد لا ينتبه إليه كثيرون ممن يعتقدون أن الواقع الافتراضى عالم مختلف تقوم بينه وبين الطبيعى أسوار افتراضية.
كاتب ومثقف ينشر آراءه على مواقع التواصل، أبدى انزعاجه من «الهجامة» الذين لا يناقشون آرءه، وينهالون عليه بالسب والشتائم، لمجرد أنهم يختلفون مع آرائه المعلنة. وبدا مندهشا من الجهد الذى يبذله هؤلاء الهجامة لإطلاق الشتائم ضده وتساءل لماذا لا يناقشون ما يكتبه رأيا برأى، ويفضلون ممارسة قلة الأدب ضده بأسماء مستعارة غالبا. ووصف الكاتب هؤلاء بأنهم «لجان» إلكترونية موظفة ضده، مؤكدا أنه لا يقصد من يختلفون مع آرائه، وإنما من يشتمونه. «يطرطشون» على صفحته.
باحث صديق آخر قدم لى نماذج لعدد من الشتامين منهم ناس يفترض أنهم كبار، يمارسون هذا النوع من الابتزاز، والسب، بأسمائهم أو يستعملون حسابات مجهلة أو بأسماء أخرى مستعارة. وأنه كباحث فى هذا المجال يشعر بدهشة من كل هذا الكم من الشتامين والهجامة، ويتساءل عن الفائدة التى تعود عليهم من ممارسة هذا النوع من الشتائم.
أشرت له بأن بعضهم يفعل ذلك لمرض عقلى أو نفسى، والبعض الآخر اعتاد العيش بالابتزاز، ومنهم طبعا من يفعل ذلك بأجر، مثل القاتل المحترف الذى يتم استئجاره بالمال، وهو هنا قاتل افتراضى.
وهذا النوع «الأنوى» شائع على صفحات فيس بوك وتويتر، يمارس الابتزاز وينشر الشائعات، ومن بينهم مرضى نفسيون يعانون من اختلال نفسى وعقلى، أو عقد نقص، يكملونها بممارسة الشتيمة والتهجم، وبعضهم لا يعرف أنه مريض، أو يرفض تلقى علاج، ومن بين هؤلاء من يفرح بالعمل ضمن لجان أو منصات هجوم لأن ذلك يغذى عقد النقص لديه.
وبشهادة الباحثين النفسيين يعانى بعض هؤلاء من نفس الأعراض التى يعانى منها المتحرشون واللصوص الاضطراريون، ومنهم من يصبح إرهابيا محتملا، وقد اتجهت مراكز الطب النفسى فى أوروبا فى أعقاب هجمات الدهس والطعن إلى بحث الحالة «الافتراضية للمتهمين»، بعد ظهور مشتبه بهم اتضح أنهم يعانون من خلل عقلى، وبمراجعة صفحاتهم على مواقع التواصل اتضح أنهم يمارسون التفحش ويبتزون ويشتمون جيرانهم أو أصدقاءهم.
وتكشف أبحاث التحليل النفسى أن بعض الضالعين فى ممارسة الابتزاز على صفحات التواصل، مدمنى مواقع إباحية أو يعانون من عزلة اجتماعية وإحساس بالدونية تجاه زملائهم ورؤسائهم فى العمل وجيرانهم وربما أيضا أفراد أسرهم، وبعضهم يعانى عقدة الاضطهاد والفشل المتتالى. حيث كشفت أبحاث مراكز نفسية عن أن هذا النوع من المختلين الافتراضيين يمارس الابتزاز بادعاء المظلومية ويرفض الاعتراف بفشله ومسؤوليته عن هذا الفشل. ولهذا فإن هناك مراكز للعلاج النفسى أصبحت تتيح لمثل هؤلاء العلاج عن بعد ومن خلال التواصل عبر الإنترنت أو الفيديو كونفرانس منها مركز «بيج وايت وول»، الذى يكشف عن تزايد أعداد المرضى النفسيين خلال السنوات الأخيرة.
وهناك حالات شهيرة فى بريطانيا لموظفين سابقين فى شركة كبرى ارتكب بعضهم أخطاء انتهت بفصلهم، وعندما انتقل الموضوع للقضاء، كشف رؤساءهم أنهم اعتادوا إرسال رسائل فاحشة لزملائهم، ورؤسائهم. وبعضهم مارس التشهير على صفحات التواصل، وبعد أن أحالت المحكمة بعضهم للفحص النفسى جاءت التقارير كاشفة عن الخلل العقلى، وخسر الرجل الدعوى وفشل حتى فى ابتزاز زملائه ورؤسائه عبر فيس بوك.
خلاصة الأمر أننا أمام مجرمين افتراضيين، يمثلون العالم الواقعى بكل مشكلاتهم وعقدهم وجنونهم الطبيعى الافتراضى.