انتخابات الرئاسة المقبلة يمكن أن تكون فرصة هائلة لاكتساب الخبرات وتأهيل المرشحين المحتملين فى المستقبل، لو استطاعت الأحزاب السياسية والتكتلات الكبرى قراءة المشهد السياسى استراتيجيا، وتجاوز مشكلاتها الضيقة وفكرت فى إنجاز بناء سياسى حقيقى فى محبة البلد ومن خلال توجهاتها وقناعاتها.
نعلم أن الانتخابات المقبلة محسومة للرئيس السيسى لأسباب عديدة، منها شرعية ثورة 30 يونيو، الشرعية الوحيدة التى ملأت الفراغ السياسى ما بعد مبارك وتحولات فترة السيولة السياسية والفوضى التى ضربت مصر، ومنها أن الرجل يقف على أرضية صلبة من الإنجازات غير المسبوقة، لا يمكن أن يختلف عليها اثنان حتى من أشد المعارضين لسياساته، ومنها أيضا أن الرجل استطاع قيادة سفينة الوطن فى بحر متلاطم يموج بالتيارات الخطرة والدوامات والألغام، دون أن يتأثر أمن واستقرار الوطن، كما لا يمكن أن ينكر أحد ما استطاع السيسى إنجازه على صعيد التنمية وإنجاز المشروعات العملاقة التى لا تحقق فقط فوائد اقتصادية كبرى وتواجه البطالة، وإنما تفتح باب الأمل فى مستقبل واعد لبلدنا وفرصها على صعيد التنمية.
وإذا كنا مطمئنين الآن وخلال الأربع سنوات المقبلة بوجود السيسى على رأس القيادة السياسية، فعلينا أن نبدأ منذ اللحظة الراهنة أن نعمل ونبنى على ما أسسه الرجل، وأن تجتهد الكيانات السياسية كلها فى محبة الوطن للوصول إلى قواعد جماهيرية حقيقية، وحتى يكون لدينا أربعة أو خمسة أحزاب كبيرة ومؤثرة يمكن كل منها أن يطرح مرشحا للرئاسة عام 2022 على نفس الأرضية الوطنية لثورة 30 يونيو ومن خلال المنطلقات السياسية والاقتصادية التى أرساها السيسى واستعاد بها مكانة مصر دوليا واستقرار وأمن المجتمع داخليا، وأثرى تطلعاتنا للمستقبل.
فهل يمكن القول إن الأحزاب السياسية الموجودة على الساحة تفكر بمنطق الاستعداد للحظة الفارقة فى 2022؟ وهل يمكن القول بأن لديها تصور حول مستقبل العمل السياسى ودورها خلال المرحلة المقبلة؟ وهل يمكن أن تسمح الكوادر الموجودة فى الأحزاب السياسية الحالية بتصعيد أجيال جديدة من الشباب لتتولى القيادة فى المستقبل القريب؟
الإجابة الموضوعية على جميع الأسئلة السابقة بالنفى، فلا الأحزاب القائمة تفكر للحظة الراهنة ولا لانتخابات 2022، كما يبدو من تحركاتها على الأرض، وإنما تفكر بمنطق الاستقطاب، إما أن تكون مع الموجة الغالبة وتؤيد ترشح السيسى أو أن تتذرع بحجج واهية لإعلان مقاطعتها وعزوفها عن الانتخابات، كما أنها فى مجملها مريضة بالتشبث بالسلطة ولا تسمح بمنافسة حقيقية فى دوائرها العليا كما لا تسمح ببناء قواعد جماهيرية أو قيادات شابة تستطيع استكمال الطريق، وبالتالى لابد أن تكون النتائج مخيبة للآمال على مستوى قبول الشارع أو التأثير السياسى أو حتى القدرة على خوض الاستحقاقات الانتخابية بمختلف درجاتها.
الوحيد الذى أدرك الفراغ السياسى الذى تمر به البلاد نتيجة ضعف الأحزاب السياسية واستئثار القيادات الحالية بالسلطة، هو الرئيس السيسى نفسه، ولذا بدأ التحرك مبكرا، بإطلاق مؤتمرات الشباب لمخاطبة مختلف النابهين المصريين من الشباب بجميع المحافظات، ليس لمصلحته الشخصية، فهو أعلنها مرارا وتكرارا بأنه لايريد سلطة ولا شعبية وإنما يريد إصلاحا شاملا بمشاركة كل المصريين.
ولعل مؤتمرات الشباب التى قدمت حراكا سياسيا مشرفا لمصر أمام العالم، تتحول فى السنوات القليلة المقبلة إلى حزب كبير يضم الكفاءات والنابهين والمتطلعين لبناء المستقبل، ويمكن ساعتها أن نرى من بينهم رئيسا ورئيس حكومة ووزراء ومسؤولين تنفيذيين.