برغم تأكدى من أن برامج اكتشاف مواهب الأطفال من أكثر الأمور إساءة إلى الطفولة، ومن أكثر البرامج إيذاء للطفل، لكنى أتابع بعض حلقاتها، لا لشىء إلا لضخ دماء الأمل فى هذا الوطن الكبير الذى تغرب عن أصوله وتاه عن خارطته، بعدما تآكلت هويته، وفى الحقيقة فأنا لا أستطيع أن أكبح إعجابى ببعض المواهب الصارخة التى شهدها برنامج «فويس كيدز» وعلى رأس هذه المواهب الطفل السورى «يمان قصار» والطفلة المصرية «أشرقت أحمد» والمصرى أيضا «محمد الخشاب» والسورى أيضا «حمزة لبيض» الذى لا أعرف لماذا أراه «ملحنا» فى المستقبل وليس مطربا، وزياد أمونة وجنة، بالإضافة إلى «خالد الفايد» الذى خانه التوفيق فى الحلقة الماضية وأثرت الرهبة على أدائه فخرج من التصفيات برغم تمتعه بالعديد من الصفات التى تؤهله ليصبح نجما كبيرا، وهذا هو ما أشرت إليه فى المقال السابق كما أشرت إلى الأضرار النفسية التى يصاب بها الأطفال نتيجة وضعهم فى هذا الجو المشحون من الاستعراض والمنافسة التى تصل إلى درجة الصراع، وما يترتب على هذا من أزمات نفسية قد لا يتحملها طفل.
اللافت فى هذه المسابقة أن هؤلاء الأطفال «الصغار» الذين مازالوا فى طور التكوين، ومازالت أصواتهم فى مرحلة الإنضاج ظهروا كأروع ما يكون عليه الطرب الأصيل، ليصفعوا بهذا الطرب الأصيل وهذه الموهبة العريضة وجوها فنية تصدرت مشهد الغناء والموسيقى وزيفت هويتنا الفنية وأجبرت الذوق العربى على الانحدار، لكن الجميل فى الأمر هو أن تلك الروح الشرقية الخالصة لدى أبناء البلدان العربية ظهرت وتجلت وجلجلت على يد أطفال صغار، بينما الكبار لا يملون ولا يكلون من «يلا معايا ع السقفة».
يجب على مطربيا الآن أن يخجلوا من أنفسهم، وأن يسرعوا بالعودة إلى خانة الطرب مرة أخرى، بعدما أصبح مظهرهم فى غاية السوء، فإن كنتم تزعمون كذبا أن «الجمهور عايز كده» فهذا هو الجمهور الذى منح هؤلاء «العيال» عشرات الملايين من المشاهدات على موقع الإنترنت فى بضعة أيام، وهى أرقام يعجز معظم مطربينا الآن عن تحقيقها، وإن كنتم تزعمون أن العصر تغير ولكل عصر موسيقاه، ففسروا الآن لماذا يحب الناس هذه النوعية فى برامج المسابقات وأنتم تحرموننا منها تماما.
اخجلوا أو اعتزلوا أو اعتذروا، او اعترفوا بأنكم لستم مطربين من الأساس، ذلك أشرف لكم إن كنتم تعقلون.