بعد أن خفتت الأضواء عن الإعلامى توفيق عكاشة، وابتعدت عنه دوائر الأجهزة، يمر النائب بحملة تصعيد «مدروسة» من إهانة رئيس البرلمان إلى تحدى الرئيس وإعلانه مقاطعة خطابه فى مجلس النواب، وسبق ذلك عدة ممارسات إعلامية ونيابية: «أكلونى لحم ورمونى عضم»، ووضع بلاستر على فمه، إلخ، ولكن من يهمهم الأمر فى الأجهزة التى كانت تتبناه لم يتحرك لها جفن، الأمر الذى أدى إلى مزيد من التمرد بالخروج على النص الوطنى وبدعوة السفير الإسرائيلى فى منزله، ليعلن موقع «الإذاعة الإسرائيلية» أن السفير الإسرائيلى فى القاهرة الدكتور حاييم كورين اجتمع مع عضو البرلمان المصرى توفيق عكاشة، وبحث معه فرص التعاون بين مصر وإسرائيل فى المجالات الاقتصادية والزراعية والتعليمية، ونقلت الإذاعة عن السفير كورين أن اللقاء عقد فى منزل عضو البرلمان المصرى استجابة لدعوته، وأنه جرى فى أجواء إيجابية، وتم الاتفاق على الاستمرار فى الحوار حول الملفات المذكورة خلال اللقاءات القادمة، الأمر الذى أحدث دويا داخل البرلمان، حتى وصل الأمر إلى مطالبة النائب مصطفى بكرى بإسقاط عضوية توفيق عكاشة، ورأى أنه واجب على كل وطنى شريف، وشدد النائب خالد يوسف على ضرورة اتخاذ موقف حازم تجاه النائب توفيق عكاشة بعد لقائه السفير الإسرائيلى بمنزله، قائلا: «إن الشعب المصرى الذى يمثله النواب رافض للتطبيع منذ أربعين سنة، وكان عليه استئذان المجلس قبل أى خطوة عليها رفض شعبى».
وتعددت الآراء حول تلك الخطوة العكاشية، ولكن أحدا لم يتوقف أمام عدة ملاحظات، أن عكاشة الذى يفتى كل ليلة فى الفراعين حول مخاطر المخطط الأمريكى الصهيونى، كيف ينقلب على نفسه؟ هل يصل «العند» بعكاشة إلى «الكفر» بالوطنية؟ وربما وراء ذلك إحساس عكاشة بالاضطهاد من الذين استخدموه من قبل، وغياب الشهرة، وتهميشه فى المجلس، وهو الحاصل على أعلى الأصوات فى انتخابات دائرته.
الأمر الذى يذكر بالرئيس الراحل السادات الذى كان بطل حرب أكتوبر، ولكن سياسة الانفتاح وخضوعه لشروط البنك الدولى أدت به لرفع الدعم، الأمر الذى أدى إلى انتفاضة يناير 1977 التى أفقدته توازنه، فلم يكن أمامه سوى الاندفاع إلى القدس بمبادرته الشهيرة، الأمر الذى أدى إلى اتفاقيات السلام وانقسام الصف الوطنى والعربى.
أيضا سلك نفس الطريق الكاتب الكبير الراحل على سالم، بعد أن خفتت عنه الأضواء، لكن كلا من السادات وسالم دفعا ثمنا غاليا، الأول قتل، والثانى تمت مقاطعته حتى الموت، ومع احترامى للنائب توفيق عكاشة، فإنه يختلف عن السادات وسالم، لأن الأول كان بطلا منتصرا فى حرب أكتوبر، وسالم كاتب كانت له وجهة نظر فى السلام مع إسرائيل، ولكن العكش ضد العكش وله الحق، أحد من كان يدافعون عنه فى السابق وهو النائب مرتضى منصور، حينما قال: «إنه يدين بشدة واقعة استقبال توفيق عكاشة للسفير الإسرائيلى فى منزله»، معتبرا إياها سقطة سياسية ووطنية كبرى، وقال مرتضى منصور لعكاشة: «مهما بلغت درجة اختلافك مع النظام أو الدولة، لا يمكن تحت أى ظرف من الظروف وضع يدك فى يد إسرائيلى، فما بال إذا وجهت له دعوة لزيارة منزلك»، وتابع مرتضى منصور: «ما أقدم عليه توفيق عكاشة انتحار سياسى»، مشيرا إلى أنه تقدم ببيان عاجل لمجلس النواب يدين بشدة استقبال برلمانى مصرى مسؤول إسرائيلى، رافضا أى نوع من أنواع التطبيع مع إسرائيل، مهما كانت درجة الخلافات السياسية مع النظام».
يبقى السؤال: هل أخذ عكاشة هذا الموقف على سبيل «العند» فقط، أم أن هناك من هم وراء ذلك الموقف، وسوف يدفعون بعكاشة إلى الذهاب إلى القدس؟ أم أنه سوف يعتذر- كالعادة- ويتخلى عن ذلك الموقف؟ وهذا أقل الاحتمالات، وفى كل الأحوال من يخرج عن الوطنية المصرية يدفع ثمنا غاليا أيا كانت دوافعه.