أعلم أنه يدور فى تفكير الكثير سؤال، ماذا تملك قطر، هذه الإمارة صغيرة الحجم وقليلة السكان، لكى نتهمها بالمسؤولية عن الإرهاب الذى ينتشر فى القارة السمراء، وما هى مصلحة الإمارة الخليجية فى كل هذا التدمير.
علينا أن نقر بداية أن المساحة أو السكان ليسوا المعيار فى تحديد قدرة الدولة أو عدم قدرتها، لأن المعيار الآن بات مرتبطا بالقدرة المالية، وأيضا القدرة على الانتشار بناء على الوفرات المالية، وهو ما ينطبق على قطر التى وهبها الله ثروة نفطية جعلتها من أغنى دول العالم، لكن للأسف استغلت هذه الأموال فى غير صالح الإنسانية، وبدأت فى تنفيذ ما أطلق عليه «مخطط الشيطان»، الذى يقوم على إمداد الجماعات والميليشيات الإرهابية فى الدول العربية بداية، بما يحتاجونه من أموال وأسلحة، ليفرضوا سيطرتهم وسطوتهم على هذه الدول، لتكون مدينة بالولاء لقطر، وبعد وقت ليس بقليل مدت خيوط الفتنة إلى أوروبا ثم إلى القارة الأفريقية التى دخلتها بدفع وتخطيط من حلفاء الدوحة، تركيا وإيران، ممن يسعون إلى أن يكون لهم يد قوية فى أفريقيا، فدخلوها من باب الاقتصاد وأيضًا المراكز الثقافية خاصة الإيرانية التى حاولت اختراق أفريقيا لنشر التشيع، لكن هذا الاختراق تم مواجهته أفريقيا ومن دول أخرى وعلى رأسها السعودية التى وضعت خطة بديلة لمواجهة نشر التشيع الإيرانى فى أفريقيا.
تركيا وإيران استعانا بقطر لكى تكون هى ذراع الفساد والفتن فى أفريقيا، وللعلم فإن هذا المخطط أو الدخول القطرى للقارة السمراء ليس وليد اليوم، وإنما بدأت الدوحة التخطيط له منذ عشر سنوات تقريبًا، ولاحظته بنفسى فى أكثر من مناسبة، لكن تأكد لى بشكل لا يدعو للشك فى أغسطس 2011 حينما كنت فى زيارة للصومال ضمن وفد مصرى من وزارة الخارجية ومؤسسات إغاثة لتسليم معونات مصرية لأشقائنا الصوماليين، وهناك سمعت لأول مرة عن نية قطر افتتاح قناة الجزيرة باللغة السواحلية التى يتحدث بها معظم شعوب منطقة القرن الأفريقى، وقتها استغربت لماذا تركز قطر على هذه المنطقة تحديدا، لدرجة أن تفكر فى تخصيص هذه الأموال التى ستنفقها على الجزيرة السواحلية.
وتزامن ذلك مع زيارة قام بها رئيس تركيا رجب طيب أرودغان، كان وقتها رئيسا للوزراء، إلى العاصمة الصومالية مقديشيو، ورأيت فى العاصمة إعلام تركيا منتشرة فى كل مكان، معبرة عن احتلال تركى جديد، كما سمعت من أحد أعضاء الحكومة الصومالية الذى أرتاب من حجم التحرك التركى فى منطقة القرن الأفريقى، ومن خلفه الأموال والدعاية الإعلامية القطرية.
قناة الجزيرة باللغة السواحيلية لم تكن هى الأساس الذى تسعى له الدوحة، فهى كانت تعمل طيلة السنوات الماضية على خلق قاعدة لها فى منطقة القرن الأفريقى الحيوية والاستراتيجية، التى دخلتها بالمال والسياسة أيضا، ففى 2010 توسطت قطر بين جيبوتى وآريتريا، الدولتين الواقعتين فى منطقة القرن الأفريقى، وقامت بنشر 450 جنديا قطريا على الحدود بينهما، قبل أن تعلن سحبهما فى يونيو الماضى بعدما قطعت آريتريا العلاقات الدبلوماسية مع الدوحة، بسبب سياستها الداعمة للإرهاب.
يوما بعد الآخر تتكشف أمامنا حقائق مزهلة، تلخص فى مجملها لماذا ألقت قطر بأموالها فى منطقة القرن الأفريقى، التى اعتبرتها قاعدة انطلقت من خلالها إلى بقية الدول الأفريقية، تبث فيها سموم الإرهاب، مستخدمة راية العمل الخيرى والإنسانى كستار لدعم جماعات إرهابية فى القارة السمراء، وهو ما أشارت له تقارير لوزارة الخارجية الأمريكية ووزارة الخزانة، ومراكز ومعاهد مثل مركز العقوبات والتمويل السرى، ومؤسسة دعم الديمقراطية، مؤكدة أن قطر أكبر دولة تمول الجماعات المتطرفة والإرهابية فى منطقة القرن الأفريقى، فكل هذه المؤسسات أكدت بما لا يدع مجالًا للشك التمويل الذى تقدمه قطر لحركة الشباب الصومالية الإرهابية، ومنها على سبيل المثال رصد الأجهزة الأمريكية مبلغ 250 ألف دولار قدمها رجل الأعمال القطرى المطلوب دوليًا عبد الرحمن النعيمى للحركة، كما أن هناك معلومات عن وجود علاقة قوية كانت تربط بين النعيمى وزعيم الحركة الإرهابية حسن عويس الذى سلم نفسه قبل أربعة أعوام للسلطات الصومالية.
كما سبق وأشارت وثائق مسربة نشرت على موقع ويكيليكس إلى أن السفيرة الأمريكية السابقة فى الأمم المتحدة، سوزان رايس، طلبت فى 2009 من تركيا الضغط على قطر لوقف تمويل حركة «الشباب» الإرهابية، وقالت رايس حينها بحسب الوثيقة المسربة، إن «التمويل كان يتم عبر تحويل الأموال إلى الصومال عن طريق آريتريا»، ونفس الاتهام كرره رئيس الحكومة الانتقالية آنذاك شريف شيخ أحمد، الذى قال خلال اجتماع مع دبلوماسيين أمريكيين فى ليبيا «إن حكومة قطر تقدم الدعم المالى إلى حركة «الشباب».