عندما تفقد مصر طوال العامين الماضيين أكثر من ألفى شهيد ما بين رجال جيش وشرطة ورجال قضاء ومواطنين.
عندما يصبح كل واحد من أبناء جيشها أو شرطتها وقضائها وإعلامها الوطنى مشروع شهيد .
عندما يكون كل مصرى فى الشارع معرضًا أن يفقد حياته بسبب أنه ينتمى لهذا البلد.
عندما يكون بين المصريين محمد أيمن وأمثاله من الذين يضحون بأرواحهم فداء هذا الوطن الغالى وترابه.
عندما يكون بيننا من تهون عليه الدنيا فيحتضن إرهابيا جاء يفجر نفسه ليمنعه من قتل الناس دون أن يقول "نفسى نفسى".
عندما يكون بيننا قضاة يتنافسون من أجل الفوز بالسفر إلى منطقة الإرهاب بالعريش ورفح والشيخ زويد ليتحدوا أعداء الحياة ويشرفوا على انتخابات مجلس النواب دون أن يهابوا الموت.
عندما ترفض أم قرار إعفاء نجلها من الخدمة العسكرية إكرامًا لشقيقه الشهيد وتصر على تجنيده حتى وإن كان الموت فداء الوطن ينتظره على أبواب وحدته.
عندما يرفض أهالى الشهداء البكاء على فراقهم ويحتضنون أجسادهم الطاهرة ليقبلوها ويحتفلون بأنهم نالوا الشهادة بشرف فى سبيل الوطن.
عندما يكتب كل ضابط وكل جندى وصيته لأهله بكل شجاعة لأنه يستعد للشهادة ويسارع إلى وحدته دون أن يخاف أو يتهرب من التجنيد.
عندما لا تخلو قرية مصرية من شهيد قدم روحه من أجل وطنه.
عندما يتساقط الأبطال يوما بعد يوم شهداء برصاص الخونة فيأتى من خلفهم رجال ليكملوا المهمة ويؤدوا واجبهم المقدس دفاعا عن مصر.
عندما يكون كل هؤلاء فى مصر، فتستحق أن تكون هى بحق بلد الشهداء.. بلد الأبطال الذين تخجل أمامهم كل البطولات، وتتضاءل الإنجازات.. من يريد أن يعرف معنى مصر فليكتب اسم شهيد من أبنائها أو يقرأ حكايته، يراجع قصة استشهاده.. كيف لاقى ربه بقلب جسور وعقيدة لا تهتز.
عندما يقع كل ما فى السطور السابقة فأنت تقرأ الواقع المصرى، والمصرى وحده، هذا أن واقعها ليس كواقع أى بلد آخر، مصر لها طبيعة خاصة جدًا..!
نوعية فريدة من الشهداء لا تنجبهم إلا مصر، وليس هذا غريبًا عليها، فهى بلد خير أجناد الأرض، مسلم أو مسيحى لا عجب فهم فى رباط إلى يوم الدين، فى مصر وحدها تجد شهداء وكأنهم جاءوا من عصر النبوة، شعارهم الوطن وآخر كلامهم شهداء من أجل الله، لا يريدون جزاءً ولا شكورًا، فليس هناك جزاء خير من الجنة، وليس هناك شكر يوازى لقب الشهيد.. رمال ارتوت بدماء الشهداء فصارت طاهرة، وشعب قبل التضحية فاستحق أن يكون أبيا، وبلد تفقد كل يوم واحد أو أكثر من أبنائها تودعهم بدموع الفراق فنالت شرف أعز الأوطان.
هل توقف رجال التاريخ أمام قصص الشهداء.. هل سجلوا ملاحمهم.. هل سطروا حكاياتهم ليقرأها من سيأتى من أجيال المستقبل.. هل وثق الرواة والمؤرخون أسماء أبطالنا وأشرف من فينا ورموز عزتنا وبسالتنا كشعب صابر عنيد لا يلين له عود.. أم أنهم تجاهلوهم لأنهم لا ذهب عندهم يطمعون فيه ولا سيف يخشونه، مازلت مصرا على أن بيننا رجال التأريخ عندهم شرف وليس سلطانا، أمانة وليس مطمعا، وسيدونون للمستقبل قصص الأبطال ليتعلم منها الأبناء والأحفاد.. ليعلموا أن هذا الوطن غال فى قيمته وبمن ضحوا من أجله.. ليدركوا أن الأمانة ليست هينة لأن ثمنها دم الشهداء، فهذا أقل حقوق بلد الشهداء.. مصر.