ظل ظهور تنظيم داعش فى الشام والعراق يمثل فى جزء منه لغزا وعلامات استفهام لكثيرين، وبالرغم مما يبدو ظاهريا من هزيمة داعش فى العراق وسوريا، فإن التنظيم يظل أحد الأخطار القائمة، حيث يمكن لمن أطلقوه وساعدوه فى المرة الأولى أن يعيدوا تشكيله لاستعماله وتوظيفه، ومثلما كانت بعض الدول فى الستينيات والسبعينيات تستخدم منظمات إرهابية مثل أبونضال أو كارلوس لتنفيذ عمليات بالوكالة.
كان تنظيم داعش وإخوته مثل النصرة فتح الإسلام وغيرها مجرد أدوات قتل موجهة لتنفيذ خطط وتوجيهات، خاصة أن داعش كان من التنظيمات التى نشأت من مقاتلين، تم جمعهم من كل دول العالم، وتجنيد شباب صغير السن ليس فقط من تونس وليبيا والجزائر ومصر واليمن والسعودية والكويت والعراق، لكن أيضا من كل دول أوروبا، حيث شارك الآلاف من دول أوروبا فى تنظيم داعش، وهؤلاء ليسوا أميين أو فقراء لكنهم من فئات وسطى أو ثرية أوروبية، بعضهم ولد وعاش فى أوروبا، بما ينفى كونه نتاجا للتسلط والفقر.
هناك مئات الشباب من ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وبلجيكا وهولندا انضموا لداعش، وقاتلوا فى صفوف التنظيم تحت رايات الجهاد الإسلامى، وقبلهم كانت خلية ميونيخ التى شاركت فى 11 سبتمبر، وهناك فيلم وثائقى رصد نوعيات سباب أغلبها من عائلات ثرية أو متوسطة.
السر هنا هو التجنيد، حيث يتم استغلال الطاقات الروحية للدين فى تحويل الشباب إلى أدوات قتل وذبح وحرق، وهو أمر بالطبع يتم من أعلى، ومن خلال أجهزة معلومات وتنظيمات تمتلك ثروات ضخمة.
ومن يقومون بالتجنيد هم شيوخ أو دعاة أصحاب وجوه إعلامية بشوشة ولبعضهم شعبية ورونق وجاذبية، ولعل أسماء مثل محمد العريفى الداعية السعودى كان أحد الذين ساهموا فى دفع الشباب للتطوع للقتال فى سوريا والعراق، بالرغم من أنه هو شخصيا كان من مرتادى أوروبا وأصحاب الحياة الطبيعية، هو لم يسافر ولم يغبر ملابسه، لكنه ساهم فى الدفاع بآلاف الشباب إلى حرب ليسوا طرفا فيها.
وفى مصر وكل بلد عربى كان هناك صناع التطرف والتعصب والكراهية ممن مهدوا الطريق لإنتاج داعش أو التنظيمات المتطرفة، من بين الكتب التى صدرت حول هذا الرابط كتاب وائل لطفى «الطريق إلى داعش»، الصادر عن سلسلة الكتاب الذهبى فى روزاليوسف، ويحاول الكاتب فيه تفسير ما جرى وما يبدو أنه نتاج تراكمات كمية على مدى سنوات.
وائل لطفى هو صاحب كتاب الدعاة الجدد، وكان له السبق فى رصد العلاقة بين تغيرات الشكل والعصرنة فى ملابس بعض الدعاة وبين تحويل الدعوة الإسلامية إلى خليط من التجارة، والبيزنيس، وفى نفس الوقت استمرار بقاء بعض دعاة السلفية فى نشر الفكر المتطرف.
وفى كتابه «الطريق إلى داعش» يرصد وائل لطفى الأفكار التى تقف خلف التطرف والإرهاب، وكيف يتم صنع الفكر المشوه والمتعصب، الذى يتحول إلى أداة قتل متحركة قابلة للتشكيل والانخراط فى أى سيناريو. الأساس هنا هو تدمير الوعى وإفقاد الشاب قدرته على التفكير.
يتساءل وائل لطفى فى بداية كتابه «كيف ذهبنا إلى داعش؟ من الذى رسم الطريق ومن خطط ونفذ؟»، وهو هنا يبحث عن جذور هذا التطرف وكيف ساهم فى صناعته مئات الأفراد بوعى واضح، وأيضا بمصالح، يتحدث «جماعة الأثرياء المسلمين»، عن رسالة من قيادى إخوانى للمرشد يكشف فيها عن التكتلات المالية، وتكشف صراعات أجنحة الجماعة، ثم يتحدث عن «شرائط تحقير المرأة على الأرصفة»، وكيف يتحول الأمر إلى هوس لدى قطاعات من الدعاة وبعضهم يعيش واقع راسبوتين، كنا نرى أن تحالفات صناعة الإرهاب ليست بعيدة عن صناع فكر التكفير والكراهية والطائفية، وأن هؤلاء هم من مهدوا الفكر لظهور داعش، الذى هو فكرة قبل أن يكون تنظيما إرهابيا. الكتاب حفر فى محاولة لكشف جذور الإرهاب، فى العقل والوعى أولا.