بخطوة واحدة ولقاء واحد استطاع الرئيس عبد الفتاح السيسى أن يذيب كل جبال الجليد فى العلاقات المصرية السودانية، وتمكن من إطفاء النار الملتهبة التى تأججت فى العلاقات المصرية الاثيوبية، مما يؤكد أن الدبلوماسية المصرية الهادئة والقائمة على القواعد الاخلاقية المنبثقة من تاريخ مصر، هى التى تصنع الصورة وتتشكل منها وعلى ضوئها ملفات السياسة الخارجية فى سياسة مصر الحديثة .
وبعد خروج الرئيس عبد الفتاح السيسى، والرئيس السودانى عمر البشير، ورئيس وزراء إثيوبيا، هايلى مريام ديسالى، بعد القمة الثلاثية التى عقدت بالعاصمة الإثيوبية، أديس أبابا، صباح اليوم الاثنين متشابكى الأيدى فى إشارة إلى أن حالة الود تسود العلاقات، بعد أن تناولت هذه القمة تطورات ملف سد النهضة الإثيوبى، بالإضافة إلى العلاقات الثنائية، وموضوعات وملفات التعاون بين الدول الثلاث. وطمأن الرئيس السيسى، جميع المواطنين فى مصر والسودان وأثيوبيا، على حسن العلاقات والتعاون بين الدول الثلاث، قائلًا : " نحن نتحدث كدولة واحدة وكصوت واحد". وقال الرئيس السيسي، فى تصريحاتٍ له، فى أعقاب القمة : " لن يحدث أى ضرر لمواطنى أية دولة من الدولة الثلاث فيما يتعلق بقضية المياه". وردًا على سؤال صحفى، عما إذا كانت أزمة سد النهضة قد انتهت، أجاب الرئيس السيسى: "إنه لم تكن هناك أزمة من الأساس".
وهو ما يفسر لنا سر صمت الرئيس طيلة الفترة الماضية مما يعطينا الثقة فى أنه كان يملك أدوات إذابة الجليد وإزاحته، خاصة فى ظل عمليات التآمر التى لا تتوقف لدق الاسافين فى هذه العلاقات لإجبار مصر على الانحسار عن إفريقيا، وتفاقم الازمة التى يحاول الإخوان تأجيجها ومن خلفهم كل من قطر وتركيا .
ساعة ونصف الساعة هو عمر اللقاء الثلاثى بين الزعماء الثلاثة ولكنها كانت كفيلة بقتل ووأد كل ما فعلته قطر وتركيا، لأن السياسة المصرية تنطلق من ثوابت إخلاقية، أما محاولات قطر وتركيا فتأتى من قبيل المكايدة السياسية والتى تذوب وتتهاوى مع أول ريح تهب عليها.
ولأن قوى الشر من الإخوان وقطر وتركيا كانوا يدركون قدرة الرئيس على إعادة العلاقات المصرية السودانية الإثيوبية إلى قوتها ونضجها، فقد حاولوا بكل الشائعات تحذير الرئيس من السفر لحضور مؤتمر القمة الإفريقية، التى انتخبت مصر رئيسا للدورة القادمة فى 2019، وبما يمثله ذلك من عودة مصر إلى إفريقيتها ودورها المؤثر والفعال داخل القارة .
وكان الرئيس قد بدأ عملية هدم الجدار الوهمى الذى بنته الشائعات الإخوانية وشيدته بقصد إحداث الوقيعة بين مصر وإثيوبيا من جانب وبين مصر والسودان من جانب آخر، خاصة فى ظل تنامى الاخبار الاعلامية التى لم تكن تستهدف الحقيقة للدرجة التى قالت فيها بعض الصحف الموصوفة بالعالمية والتى لا تتصف بالمهنية والمصداقية أن نذر الحرب تظهر فى الافق بين مصر والسودان وإثيوبيا، فقال الرئيس منذ أيام "إن مصر أبدا لن تحارب أشقائها وجيرانها" مما مهد الارض للوصول إلى حالة التوافق المصرى الاثيوبى السودانى صباح اليوم وقبيل مغادرة الرئيس للعاصمة الاثيوبية أديس أبابا..
وبقيت رسالة الرئيس عبد الفتاح السيسى للإعلام أن يتحرى الدقة ويبعث برسائل الطمأنة للشعب المصرى وشعبى السودان وإثيوبيا..
خطة الانزال السياسى والإخلاقى للدبلوماسية المصرية فى عهد الرئيس السيسى تجعلنا نتذكر الدبلوماسية الفاشلة فى عهد الإخوان، وهذا اللقاء الذى كان قد عقد بمقر رئاسة الجمهورية وتم نقله على الهواء ليأتى من يقول أننا لابد من ضرب إثيوبيا، وإزالتها من فوق الارض، مما جعل الاثيوبيين يقفون من مصر موقف العداء، ولكن جاء عبد الفتاح السيسى اليوم ليقول "لم توجد بين مصر وإثيوبيا والسودان مشكلة من الاساس".
وأخيرا نؤكد أن هذه الدبلوماسية الجديدة هى انعكاس للقيم التى يقوم عليها نظام الحكم فى مصر بعد ثورة الشعب فى 2013، والتى تعتمد المصارحة مع الشعب مهما كانت النتائج، وحسن الجوار والمصداقية وإعلاء المبادئ فى كل علاقاتنا الخارجية شرقا وغربا، ومع إفريقيا امتداد مصر الاستراتيجى .