لا يمكن تمرير حادث سقوط أسانسير مستشفى بنها الجامعى كخبر عادى ضمن بورصة الأخبار اليومية، لأسباب تتعلق بتفاصيل الحادث وأسباب وقوعه وتعامل الجهاز الإدارى معه والثغرة التى نقلت الأسانسير من وسيلة لنقل المرضى وذويهم إلى وسيلة للقضاء عليهم.. حتى كتابة هذا المقال وصل عدد الوفيات إلى 6، وحالة الوفاة الواحدة تستحق المحاسبة الجنائية، ما بالك بأرواح 6 من المواطنين.
الأسباب الأولية للحادث تشير إلى أن زيادة الحمولة، حتى التصريحات الإعلامية والصحفية للمسؤولين جميعها تسير نحو نفس السبب، ولكن ما خفى كان أعظم، تبرير الحادث بزيادة الحمولة هو محاولة للهروب من المسؤولية، ليس فقط الجنائية ولكن الأخلاقية أيضا.. كل المسؤولين فى المستشفى من مديريها للمشرفين على الإدارات النوعية المختلفة هم بالأساس أمناء على المرضى والمواطنين وذويهم، وعندما يسقط أسانسير ويتوفى 6 مواطنين فهم غير أهل لتلك الأمانة، إضافة إلى أن السبب الأخطر لم يناقش حتى الآن وهو عمليات الصيانة الدورية للأسانسيرات الخاصة بالمستشفى.
التحليل الهندسى يحدد أسباب سقوط الأسانسير، والعلم أيضا يؤكد أن الأسانسير لا يسقط فجأة، لمجرد زيادة فى الحمولة، إنما هناك مقدمات ومشاكل فنية تظهر من وقت لآخر، والأصل أن تقابل تلك المشاكل بحلول فنية وصيانة دورية غير أن الإهمال التام فى عمليات الصيانة ترتب عليه وصول الأسانسير لهذه الحالة السيئة التى انتهت بوفاة 6 مواطنين.
الأخطر ليس فقط فى مهندس الصيانة، ولكن فيمن يراقبه ويتابع على أعماله، ومن فوقه مدير إدارة الصيانة، وتدريجيا حتى نصل لمدير المستشفى، لأن نموذج عدم إجراء الصيانة هو إهمال حقيقى لا يقل عن الإرهاب، انتهى فى الختام إلى نفس نتيجة الإرهاب سقوط أرواح بشرية برئية دون ادنى ذنب.
وقصة الأسانسير تدعونا لأن نراجع بشكل أساسى المهام التنفيذية لكل مدير فى كل مصلحة حكومية، هل يراجع عناوين العمل العامة أم التفاصيل، وهنا يكمن الخطر، إن اكتفى فقط بمراجعة العناوين العامة وطرح الأسئلة الأساسية، فحتما ستبقى ثغرة، الاصل فى العمل ونجاحه هو الاهتمام بالتفاصيل، الاهتمام بكل كبيرة وصغيرة، الاهتمام بمن يتولى عمليات النظافة فى المستشفى وهل يتمها على أكمل وجه أن أن غرف استراحة المرضى غير آدمية، هل يهتم بالتفاصيل ويسأل عن صلاحية الأجهزة الطبية فنيا أم أن جهازا مثل الرنين المغناطيسى فى نفس المستشفى شفط مريضا قبل 8 شهور لأنه جرى العمل به وهو غير جاهز هندسيا وفنيا للعمل بالأساس، هل يهتم بالتفاصيل ويستعلم عن آلية متابعة الحالات المرضية المحجوزة بالمستشفى أم أن الأهالى وذويهم يعانون «المر» لكى يمر عليهم طبيب أو ممرضة لتبية احتياجاتهم المختلفة.
الأصل فى قضية الأسانسير هى التفاصيل، وفى التفاصيل يكمن كل الشر أو كل الخير بحسب صاحب العمل والقائم عليه، واعتقد أن حادث أسانسير الجامعة هو جرس إنذار لكل مسؤول فى جهة حكومية قبل أن تكرر نفس الكارثة بصور مختلفة.
رحم الله 6 من أبناء الوطن، ضحية أهمال الصيانة بأسانسير مستشفى جامعة بنها.