كان من أهم أعلام مذهب ما بعد "ماركس" المفكر "هنرى دومان" والذى أظهر الثمن الباهظ الذى تقاضته أخطاء الماركسية من الحركة العمالية، فأدان الماركسية، وأعلن مخالفاتها لروح العصر، ودعا لتخطيها وتجاوزها، وتلافى أخطائها وأخطارها على العالم، حيث اعتبر جهل ماركس بالعمال إسقاط لمبدأ "العدالة الاجتماعية" كاملا .
يقول "دومان" لما كان ماركس رجل فكر صرف، فقد كان يجهل كل شيء عن نفسية العمال الحقيقية، حيث أنه لم يتعايش مع العمال، فهو يرى أن الثورة ليست كل شيء بالنسبة للعمال، بل وسائل الاغراء الأخرى للعمال الثروة والوطنية، ورعاية مصالح النقابات العمالية. حيث أن مصالح العمال المادية فقط هى التى تدفعهم إلى تأييد الحكومات أو اسقاطها، أو دعمها فى الحروب من عدمه، لضمان مصالحهم المادية. والواجب اتباعه فى رأى "دومان" وهو ابعاد العمال عن الهدف المادى، وذلك حتى لا يفضلوا المنافع المادية العاجلة على المنافع التقدمية الآجلة.
إلى جانب أن الماركسية عند دومان تعنى أكثر بحاجات الانسان ورغباته المادية، لذلك وجب التصحيح لدفع العمال بالإيمان بالحاجة إلى الحرية والعدالة حتى نرتفع بهم إلى درجات السمو والكمال.
الأمر الذى دفع كثير من المفكرين من بعد دومان إلى ترميم الماركسية واستكمال نواقصها خاصة فى الجوانب المعنوية الأصيلة المركبة فى جوهر الكائن البشري.
فسعى هؤلاء المفكرون إلى الاهتمام بالعوامل الروحية غير المادية فى تحديد تصرفات العمال، وتوجيه سلوكهم الانساني. فليس كما تصور ماركس حجم الانتاج وأثاره هما السببان الوحيدان لكل الحوادث والنشاطات الاجتماعية والانسانية، بل يجب أن يكون هناك هدف أكبر فى الحياة وهو الاهتمام بالإنسان قبل كل شيء.
وانتهى هؤلاء المفكرين إلى دعامتين هما؛ الديمقراطية والدين ليكونا نبراس ما عرف بعد ذلك "بالاشتراكية الجديدة" بحيث تستخدم الديمقراطية ليس فقط فى صراع طبقة العمال على احراز النصر ضد البورجوازية، بل هى عقيدة اجتماعية تستهدف تنظيم علاقات البشر فيما بينهم للأفضل، من خلال اختيار الانسان لنفسه دون أن يفرض عليه فرضاً.
وأما على الجانب الدينى، فالاشتراكية الجديدة، تلتقى مع كل الأديان السماوية من حيث مناداتها بالمبادئ الأخلاقية المثلى، فكل الأديان تدعوا إلى المساواة وتجعل لجميع البشر حقوقاً واحدة فى المجتمع، ولا أحد أكرم منزلة عند الله إلا بالتقوى والعمل، والأديان أيضا تستنكر ظلم الفئة الحاكمة للشعب، وترفض أن تفرض هذه الفئة سلطانها على الشعوب إلا بالحق والعدل.
وهذا يعنى تحقيق تعاليم الأديان فى أصولها الصافية كما أنها تحقق الديمقراطية الصحيحة التى كانت قد هجرنها الطبقة البورجوازية الظالمة عند هؤلاء المفكرين.
وعليه نستنتج من ذلك أن أصحاب مدرسة "الاشتراكية الجديدة" يعتقدون فى توافق أفكارهم المتقدمة مع الديمقراطية وسماحة الأديان بحيث أنها يمكن أن تكون مفاهيم ثلاثية تعبر جميعها عن فكرة وعقيدة واحدة، تهدف معاً إلى تحقيق مجتمع الخير "والعدالة الاجتماعية" المنشودة. إلا أن هذا لا يخلو من الطعن عليه أيضاً وهو ما سوف نعرفه فى مقال أخر.