مفتش الرى.. أسطورة الريف المصرى الأصيل

مهندس جاى.. مهندس جاى.. يا صحرا مهندس جاى مهندس الرى أو مفتش الرى تلك الشخصية الأسطورية فى تاريخ الريف المصرى.. بإشارة واحدة من يديه يفتح الهاويس وتجرى المياه لتروى الأرض العطشى.. المتحكم فى آلاف الأفدنة وحده يأمر فيطاع.. كان مفتش الرى أحد أهم ثلاث شخصيات مهمة فى الريف المصرى منها مفتش المباحث وهو وكيل النائب العام ومفتش الصحة.. إن مفتش الرى كان الشخصية المحورية التى يدور حولها الفلاح المصرى منذ القرن التاسع عشر فى عهد محمد على، مؤسس نهضة مصر الحديثة.. ولم تكن جنسية المفتش وقتها مصرية الأصل، لكنها كانت أجنبية، ومن أوائل من أسندت له هذه المهمة كان فى عهد الخديو سعيد 1857 «دى بللينو» وهو فرنسى الجنسية. كانت مصر قبل محمد على تتبع نظام الرى الموسمى، أو ما يعرف برى الحياض ولكن بعد إنشاء القناطر الخيرية وعدد من القناطر الأخرى كقناطر إسنا ونجع حمادى وخزان أسوان تحول الرى إلى رى دائم لا يرتبط بموسم الشتاء، واستطاع الفلاح المصرى أن يزرع المحاصيل الصيفية المختلفة مما زادت من خصوبة الأراضى ورقعتها الزراعية، وهذا كله فتح آفاقًا جديدة لتدخل مصر عالم الصناعة. مصر فى عهد محمد على وضعت أول نظام للرى فى العالم من بعدها سارت دول العالم على نفس النهج المصرى. تعتبر وزارة الموارد المائية والرى من أقدم الوزارات فى جمهورية مصر العربية. وعندما جاء الإنجليز فى 1882 تغيرت بعض الأوضاع حيث كان مفتش الرى إنجليزى الجنسية، ولكنه لم يستمر كثيرا وبدأالمصريون يفرضون أنفسهم على المهن الثلاثة الأهم فى الريف المصرى مفتش الصحة ومفتش المباحث ومفتش الرى. جسدت السينما المصرية شخصية مهندس الرى بأنه شخصية مهمة لكل الفلاحين ولا يستطيع العمدة إلا تلبية أوامره مهما كلفه الأمر. الإغراءات التى كانت تحيط بمفتشى الرى كثيرة مابين المحسوبية والمجاملة والأموال التى تدفع فى مقابل ألا يحرم صاحب الأرض من رى أرضه فى حال تكاسله فى إحدى المرات وهذا الأمر كان لا يحدث كثيرا فمن كان يتورط فى هذه الأفعال المشينة قد يؤدى به الأمر إلى العزل من سلطاته.. وعن أصدقاء مفتش الرى لم يكونوا كثر للحفاظ على وضعه وهيبته بين أهالى القرية فغالبا ما يبتعد عن العامة، وتقتصر علاقاته على مفتش الصحة ومفتش المباحث لأنهم من نفس درجته ولهم نفس الحساسية والأهمية فى مناصبهم. وكان مهندس الرى لا يناسب من العائلات إلا أعرقها، وكانت كل العائلات يتوددن له فمن يكتب لها أن تكون من نصيبه تفتح لها أبواب الهنا والسعد. ومنعا لتعرض مفتش الرى للإغراءات المادية كانت الدولة توفر له المسكن الفاخر وهو عبارة عن فيلا مجهزة بكل الأجهزة واللوازم المعيشية المريحة، وكان له عدد من الخدم وسيارة تحت خدمته وسائق يقوم بشراء الطلبات له وتوصيل أبنائه إلى المدرسة كل هذه الامتيازات مجانية، بالإضافة إلى راتب شهرى محترم.. ويرى البعض أن سبب تراجع الاهتمام بوزارة الرى وتراجع دورها يعود إلى دور الإعلام فى حجب الضوء على وزارة من أهم الوزارات التى ينبغى أن يكون المسؤول عنها له نفس المميزات التى تعطى للوزارات السيادية فنحن أولا وأخيرا مازلنا نصنف كدولة زراعية، وكما قال هيرودوت المؤرخ اليونانى قبل الميلاد بخمسة مائة عام. «مصر هبة النيل» فهذا لم يأت من فراغ وإنما لدور نهر النيل فى حياة المصريين حتى قيام الساعة. ذلك النهر الذى لم نعرف قيمته إلا قليلا ولم نسعى كثيرا إلى الحفاظ على مياهه.