أواصل قراءاتى فى الملف الأمريكى، وسياسات البيت الأبيض تجاه دول المنطقة العربية، وتأثير علاقتها الحميمة مع إسرائيل، التى تعد أحد معوقات إقامة علاقات طيبة بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول العربية، وهذا ما كشفه البحث الذى حمل عنوان «العلاقات الأمريكية الإسرائيلية فى فترة الرئيس السابق أوباما تجاه الشرق الأوسط 2009-2016»، وهو البحث الذى أعدته الباحثة أمينة محمد محمود خليل، المركز الديمقراطى العربى، وأشرفت عليه الدكتورة نورهان الشيخ، ونشره المركز الديمقراطى العربى فى قسم الدراسات العبرية والإسرائيلية، حيث تطرح الباحثة فى فصل بحثها الثالث إجابة للسؤال الأخطر، وهو: ما تأثير قضية الأزمة السورية على العلاقات الأمريكية الإسرائيلية وما هو موقف الولايات المتحدة وإسرائيل من نظام بشار الأسد وكيفية مواجهته؟
من القضايا الخلافية المهمة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل هى القضية السورية، حيث إنه ليس ثمة شك فى أن القوى الدولية والإقليمية المؤثرة فى المنطقة وصاحبة الكلمة فيها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، كانت قد اتفقت منذ ما قبل اندلاع الثورة السورية بقليل فى بدايات عام 2011 على عدم السماح بسقوط النظام السورى عبر ثورة شعبية محلية تلقى دعم الغرب على غرار ما حدث أو كان يحدث آنذاك فى ليبيا.
ومع مرور الوقت وازدياد عمليات قتل المتظاهرين السلميين فى سوريا، فسرت التصريحات الأمريكية والغربية الأخرى التى كانت تشدد على عدم النية فى التدخل العسكرى ضد نظام الأسد بدعوى وجود اختلاف بين الوضعين السورى والليبى، فسرت اطمئنان نظام الأسد إلى عدم وجود نية لمعاملته على غرار القذافى، بل على العكس تماما، أى العمل على دعمه والوقوف إلى جانبه فى السر والعلن فى هذه الأزمة الكبيرة.
وتشير الباحثة إلى بشار الأسد ومن معه فى مواقع القرار داخل النظام السورى، كانوا يعلمون تماما مدى قدرة إسرائيل على حماية نظام حكمهم من السقوط، ومن ذلك مدى القدرة الإسرائيلية على التأثير على الموقف الحقيقى للولايات المتحدة الأمريكية، التى كانت استخباراتها آنذاك على تواصل شبه يومى مع كبار القادة العسكريين والأمنيين فى نظام الأسد لاستطلاع آرائهم وحقيقة الأوضاع على الأرض من خلالهم.
مع انتهاء عام 2011 ودخول عام 2012 بدا أن النظام السورى، ورغم كل ما أتيح أو سمح له دوليا من استخدام لقوته وترسانته العسكرية الكبيرة والمتنوعة ضد كل معارضيه مدنيين ومسلحين، بدا أنه يسير فى طريقه المحتوم نحو السقوط ولاسيما مع تسارع وتيرة الهزائم العسكرية التى كان يمنى بها على الأرض فى المعارك مع المعارضة فى مختلف أنحاء سوريا، إذ أبدت المعارضة المسلحة التى برزت آنذاك تحت مسمى «الجيش السورى الحر» تفوقا ميدانيا وقتاليا ومعنويا ملحوظا، رغم الفارق الكبير جدا فى التسلح والإمداد.
كانت هذه الحقيقة على الأرض هى أول إنذار حقيقى لكل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، حول إمكانية فشل استراتيجيتهم الحقيقية غير المعلنة فى سوريا، ودليلا واضحا على فشل رهانهما على نظام الأسد وقواته فى كسب المعركة دون مساعدة مباشرة من طرف خارجى، ومن هنا لم يكن أمام واشنطن وتل أبيب سوى اللجوء إلى خيار دعم نظام الأسد بقوات من خارج سوريا، وكانت إيران هى المرشح الأوفر حظا لاختياره للقيام بهذه المهمة، باعتبار وجود علاقات إيرانية متينة مع النظام السورى.
يمكن أن تبرر التدخل العسكرى الإيرانى إلى جانب النظام، وباعتبار أن المقاتلين الشيعة الذين زجت إيران بهم فى أتون المعركة يتمتعون على عكس مقاتلى الأسد العلويين بدافع عقائدى كبير، مما يحفز إرادة القتال لديهم ضد الثوار السوريين ذوى الأغلبية السنية.
والتغيير الأمريكى تمثل بإمكانية الإطاحة أولا برأس النظام، أى ببشار الأسد وبعض المقربين العسكريين والأمنيين منه، والإبقاء على النظام الذى سيدخل بعد ذلك فى مصالحة وطنية مع معارضيه المعتدلين الذين ينبغى عليهم جميعا الاتحاد بعد ذلك لمواجهة «خطر» القوى والتنظيمات الإسلامية المسلحة ذات الأجندة الخاصة والمستقلة والمعادية بطبعها للغرب.
وتعتقد أمريكا أنه ومع إبعاد الأسد عن الحكم والقضاء على وجود القوى الإسلامية المستقلة، فإنه بالإمكان بعد ذلك إعادة رسم خارطة نظام الحكم فى سوريا بالتوافق بين المكونات الرئيسية لا سيما من هم فى الحكم من علويين مع المعتدلين من السنة وصولا إلى نتيجة واحدة وهى نظام حكم علمانى موال لأمريكا وللغرب بغض النظر عن شكله الخارجى إن كان ديمقراطيا أو ديكتاتوريا.
اعتبارا من منتصف عام 2012 بدأت واشنطن تعمل وبشكل منفصل عن إسرائيل على ترتيب أمر الإطاحة بشخص بشار الأسد، بحيث يمكن فرض هذا التطور كأمر واقع على إسرائيل التى لن يكون بمقدورها سوى القبول به، «باعتباره تحركا داخليا فى أوساط النظام خارجا عن السيطرة» مقابل بقاء النظام بصيغته الأمنية والطائفية المريحة لإسرائيل، لكن مؤيدى وجواسيس وأعين إسرائيل داخل مراكز القرار الأمريكى تمكنوا من كشف تفاصيل المسعى الأمريكى، بل وأسماء الأشخاص المهمين فى سوريا ممن جرت الاتصالات الأولية بهم للتحضير لموضوع الإطاحة ببشار الأسد، ومن أبرز هؤلاء الجنرال آصف شوكت زوج شقيقة بشار وأحد أبرز المسؤولين الأمنيين والعسكريين.. «يتبع».