فى عام 1971 كان الرئيس السادات محاصرا من مجموعة الديناصورات الناصرية فى مراكز السلطة العليا، وكانوا يراقبون تحركاته ويتنصتون على مكالماته، لقناعتهم أنه لا يستأهل منصب رئيس الجمهورية، وأن المنصب لابد وأن يذهب إلى واحد منهم، وعندما أرادوا أن يزيحوه من السلطة، تقدموا باستقالات جماعية من مناصبهم، متصورين أنهم سيحدثون فراغا دستوريا، وأن الناس ستخرج إلى الشوارع وستعم الفوضى وسيطالبون بعودتهم واستقالة الرئيس، لكن أيا من ذلك لم يحدث بالطبع لأن الناس لا تعرفهم ولا تعيرهم التفاتا ولا تعول عليهم أصلا، فالوهم عندما يسيطر على عقول البعض، يصور لهم أن الأرض ستتوقف عن الدوران لو توقفوا هم عن الظهور الإعلامى وإصدار البيانات الفارغة، وبالفعل قبل الرئيس استقالاتهم جميعا وعين آخرين مكانهم، وقال جملته المشهورة التى صارت مثلا، «دول لازم يتحاكموا بتهمة الغباء السياسى».
تهمة الغباء السياسى التى أطلقها الرئيس السادات على مراكز القوى، يبدو أنها مازالت تلاحق فلول الناصريين واليسار المتكلس، وانظروا مثلا لحمدين صباحى وحركته المدنية الديمقراطية، مجموعة من الفاشلين سياسيا على كل المستويات وبالورقة والقلم، ورغم ذلك، لا يكفون عن المشاغبة الفارغة على طريقة طلبة الجامعة بهدف إثبات الحضور الإعلامى لا غير، فهم أول من يعرف أن عموم الناس لا تعرفهم ولا تثق بهم ولا تنحاز إليهم، لأنهم مجرد كلمنجية وشعارجية ولا يظهرون إلا فى المصائب والأزمات ليصبوا الزيت على النار.
حركة حمدين هذه، أو الحركة المدنية الديمقراطية تضم سبعة أحزاب كرتونية هى الإصلاح والتنمية حزب محمد أنور السادات المفصول من البرلمان مرتين، والتحالف الشعبى الاشتراكى والدستور والعدل والمصرى الديمقراطى الاجتماعى وتيار الكرامة ومصر الحرية حزب عمرو حمزاوى، وهذه الأحزاب جميعها ليس لها أى نواب يمثلونها فى البرلمان باستثناء الحزب المصرى الديمقراطى له نائبان فقط، وحتى نائبا الحزب الديمقراطى لم نرهم أبدا يعتمدون مواقف الحركة تحت قبة البرلمان، ورغم ذلك يتعامل حمدين وحركته مع أنفسهم مثل المصاب بأعراض البارانويا، فيتحركون وكأنهم حزب الأغلبية المطلقة مثل الوفد فى الثلاثينيات والأربعينيات أو حتى الحزب الوطنى فى عهد مبارك، أو كأنهم الحزب القادر على تحريك المصريين فى الشارع!
هل يجهل حمدين وأعضاء حركته الأشاوس حجمهم الحقيقى فى البرلمان والشارع والحياة السياسية عموما؟ بالطبع يدركون أنهم لا وزن سياسى لهم، وهنا بالضبط مربط الفرس كما يقول الناس، فلأنهم بلا وزن سياسى وبلا تأثير وبلا حضور جماهيرى، أمامهم خياران، إما أن يعملوا بجد على تطوير خطاب وطنى يهم الأغلبية الكاسحة من المصريين وبالتالى يكتسبون حضورا وقواعد شعبية بالتدريج، وهذا يحتاج جهدا وجولات فى المحافظات وانتشار وسط المجتمعات المحلية لتقديم الخدمات والتوعية والتعليم وقبل ذلك وبعده، يحتاج إلى إنكار للذات وتجرد فى خدمة البلد، أو يعتمدون الطريق الأسهل خصوصا أنهم بلا مشروع سياسى متكامل يمكن أن يدير البلد، فتجدهم بلا أنشطة أو فعاليات طوال العام، كما أنهم لا يعيرون المواطنين فى المحافظات أى التفات، كل واحد منهم يكتفى بشقة أوضتين وصالة فى القاهرة بالإيجار عليها يافطة الحزب ومتصور إن العالم كله ينتظر بياناته النارية ومشاكساته.
حمدين وحركته اختاروا الطريق الأسهل، لأنهم غير جادين ومشروعهم للشو الإعلامى لا أكثر، فهم فى المصائب والأزمات دعاة تظاهر واحتجاج لا أكثر، وفى الاستحقاقات السياسية الفاصلة مقاطعون عن عجز وفشل وقلة حيلة وهوان على الناس لا عن موقف حقيقى تسنده إرادة شعبية، وفى الأحداث الكبرى مثل الحرب على الإرهاب ومواجهة المشروع الصهيو أمريكى للمنطقة، صامتون صمت المتواطئين المنافقين وأقرب إلى الطابور الخامس للإخوان الخونة، ولذلك يظلون مثل تلك الدمى التى تصدر أصواتا آلية يضحك منها الناس ولا يأخذونها أبدا على محمل الجد.