تمسك بيديها جنيهات قليلة، تعيد عدهم مرة تلو الأخرى، تستجمع كل الحيل والأفكار التى تستعصى على أى خبير اقتصادى لتجد حلا يجعل الثمانية جنيهات تكفى لغداء أسرتها المكونة من 5 أفراد.
سيعود الزوج والأبناء للمنزل ليجد كل منهم الغداء جاهزا، وإذا لم يكن كذلك يثور الزوج ويصب عليها كل الاتهامات: "بتعملى إيه طول النهار، أرجع شقيان مالقيش لقمة، أنا زهقت".. تتحمل كل الانتقادات، وتسرع لتضع الطعام أمامهم، بينما تستمر الانتقادات من الصغير والكبير: "إيه ده مكرونة، زهقنا من المسقعة، الأكل مش حلو".. تتحمل كل التعليقات والانتقادات، تؤخر يدها وتأكل ببطء فى محاولة منها أن توفر بعض لقيمات للزوج والأبناء، ولا يهتم أى منهم إن كانت شبعت أم لا، بينما تهتم هى بهم جميعا، وتترك الطعام قبل أن تشبع.
فى أحد جروبات الطعام على موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك" أرسلت سيدة سؤالا تقول فيه أن لديها ربع كيلو لحم مفروم ولا تملك سوى 8 جنيهات ومطلوب منها إعداد غداء لأسرة مكونة من 5 أفراد، انهالت التعليقات للإجابة على هذا السؤال من سيدات تعرضن كثيرا لمثل هذا الموقف، إجابات تكشف عن قدرات المرأة المصرية وما تتحمله فى زمن ارتفعت فيه أسعار كل شىء، وأصبحت هى أكثر متضرر من رفع الأسعار، وأكثر من يتحمل فاتورة الغلاء، مطلوب منها أن يكفى الدخل الثابت كل ما هو متغير من نفقات الطعام والشراب وتعليم الأبناء والدروس الخصوصية والعلاج والإيجار والكهرباء والملابس والمياه، وإن عجزت يوما عن حل هذه المعادلة الصعبة تنهال عليها الاتهامات، لاسيما إن كان الزوج من ذلك النوع الجاحد الذى لا يقدر ما تقوم به زوجته وما تعانيه حتى يصبح البيت مستورا.
يترك لها مسئولية كل شىء، متابعة الأبناء فى المدارس والدروس والواجبات العائلية وحل كل ما يطرأ من مشكلات، يهرب من "دوشة العيال" إلى المقاهى ولقاءات الأصدقاء، أو إلى علاقات بأخريات يقول لهن رقيق الكلام مما لا تسمعه منه زوجته المسكينة، متذرعا بتقصيرها، حيث يرى أنه مفروض عليها تحمل كل هذه الأعباء دون شكوى أو تقصير.
كثير من السيدات حاولن التغلب على غلاء المعيشة وتدبير نفقات المنزل من خلال بيع بعض المنتجات أو الملابس والأطعمة، تلعب الزوجة كل الألعاب وتمشى على كل الحبال كى تسير الحياة، لا تفكر فى شراء حذاء أو فستان أو حقيبة جديدة لنفسها، ولكن تفكر طوال الوقت فى توفير نفقات المنزل ومصاريف المدارس والدروس وملابس الأبناء والزوج، وجهاز البنات، بينما لا يفكر كثير من الأزواج إلا فى أنفسهم، ومظهرهم وراحتهم، ولا يفكر فيما تحتاجه زوجته وما تحرم نفسها منه، يتهمها بالنكد وعدم الاهتمام به أو بنفسها دون أن يسأل نفسه عن كم الضغوط التى تعانيها.
بعض الأزواج يعتقدون أن الزوجة جارية اشتروها أو خادمة لهم ، بل و لأهلهم ، وهناك بعض الزوجات اللاتى يضاف على أعباءها اليومية مهمة خدمة والد أو والدة الزوج خدمة كاملة، خاصة إذا كان أى منهما مسنا يحتاج لرعاية شخصية شاقة مثل رعاية الأطفال، ويعتقد الزوج أن هذا واجبا مفروضا على زوجته لا يستحق كلمة شكر أو عرفان، رغم أنه ربما هو نفسه لا يستطيع أن يقوم بهذه المهمة، لا يعرف الزوج الجاحد أن الدين لم يفرض على الزوجة هذه المهام، وأنها تفعلها بدوافع إنسانية، أو اجتماعية أو حتى بدافع الخوف منه.
هذا الجاحد حين يصبح ميسور الحال لا يعرف من الدين سوى عبارة "مثنى وثلاث ورباع"، ليتذرع بأى حجة للزواج مرة ثانية أو ثالثة أو رابعة بزعم أنه مقتدر، وباختلاق أى اتهامات للزوجة التى تحملت أيام الشقاء أكثر منه، يتحدث دائما عن حقوق الزوج ويتجاهل حقوق الزوجة وكيف أوصت بها كل الأديان ، ولا يعرف شيئا عن رحمة نبينا الكريم وكيفية معاملته لزوجاته وكيف كان يساعد فى أعمال المنزل ووصاياه فى معاملة النساء.
لا يعرف هذا الجاحد أن هذه الزوجة هى سر الستر فى البيت والحياة ، وأنه لا يمكن أن يتحمل ما تتحمله ، يجلدها دائما بقسوته ونكرانه واتهاماته ويستكثر عليها كلمة طيبة ، لا يدرك أن مودته ورحمته وحنانه عليها يخفف الكثير من شقائها ومعاناتها اليومية ويمنحها مزيدا من القوة والرغبة فى العطاء والتضحية.
يجهل الزوج الجاحد هذا الكنز والنعمة التى أنعم الله بها عليه ، ليختبر أخلاقه ودينه ووفائه ومودته، وللأسف يرسب فى الاختبار حتى يفقد مفتاح الستر.