رد فعل دولة الكويت على واقعة تعذيب المواطن المصرى يذكرنا بدورها التاريخى مع مصر

واقعة تعذيب مصرى وتجريده من ملابسه وتصويره عاريًا، في منطقة "صباح السالم" بالكويت، هى حادثة لم نشاهد مثلها من قبل، وبالتأكيد لن تتكرر مرة أخرى، لوكنها حادث فردى، لن يعكر صفو العلاقة بين الشعب المصرى والكويتى، خاصة بعد قيام دولة الكويت بواجبها تجاه الأزمة وفور علمهم بالحادث، قامت وزارة الداخلية الكويتية مطاردة الجانى المتهم بالتعذيب، كما قامت بغلق محل الهواتف المحمولة الخاص به، وتشميعه، في منطقة المنقف، وتحديد اسم وعنوان المتهم وجارٍ ضبطة وإحضاره.

موقف دولة الكويت الشقيقة تجاه الأزمة، يجعلنا نتذكر مواقفها النبيلة تجاه مصر، ويرتبط البلدين بعلاقات تاريخية بينهم وهى علاقات متطورة ذات جذور تاريخية تقف على أرض صلبة تنطلق منها آفاق لمستقبل أفضل فى علاقات البلدين، ولا يمكن تناولها بمعزل عن بداياتها التاريخية، حيث كانت أولى البعثات الطلابية التى خرجت من الكويت إلى أرض مصر فى عام ١٩٣٩، ولأن الشباب الذين ضمتهم البعثة كان يستشعر أن مصر والقاهرة بيت للكويتيين، فلقد بادروا بإنشاء "بيت الكويت فى القاهرة" وسرعان ما صدرت عن هذا البيت واحدة من أهم المجلات الثقافية فى تاريخ الكويت الحديث، "مجلة البعثة"، برئاسة المفكر والأديب المعروف عبدالعزيز حسين.

العلاقات بين مصر والكويت هى علاقة بين شريكين استراتيجيين، يعنى مشاركة متعددة الأبعاد منها السياسية والثقافية والإعلامية والاقتصادية، ومنها المشاركات الرسمية وغير الرسمية على المستوى الشعبى، وهى علاقات قامت على أسس مكنتها من عبور العقبات والمشكلات لتصبح مسألة بنيوية مترسخة فى الجذور الدبلوماسية، وتاريخيًا بدأت علاقات البلدين على المستوى الشعبى قبل أن تبدأ على المستوى الرسمى مع منتصف القرن التاسع عشر، حينما انخرط طلاب العلم الكويتيون الذين أتوا للدراسة فى أروقة الأزهر وكليات الجامعة الأهلية فى الحياة المصرية، وعادوا لنشر العلم فى الكويت، ومنهم الشيخ محمد الفارسى، والشيخ مساعد العازمى وغيرهم، كما ذهب من مصر للكويت عام ١٩١٣ الشيخ محمد رشيد رضا المفكر السلفى التنويرى، وحينما ذهب للكويت استقبل استقبالا عظيما، وألقى مجموعة محاضرات، وعاد لكى ينشر سلسلة مقالات فى مجلته المنار عبر فيها عن انطباعاته الإيجابية عما شاهده فى الكويت، وكيف تفاعل مع الكويتيين فى هذا الوقت، وفى عام ١٩٢٤ كان نادى الأدب الكويتى يستضيف كتاب الصحف المصرية، ويطالع الصحف والحياة السياسية ويناقش الحياة السياسية فى مصر، وكان يتفاعل مع المشهد السياسى المصرى.

العلاقات السياسية الأولية بين مصر والكويت بدأت بالتواكب مع الحراك السياسى والشعبى فى مصر عام ١٩١٩ حينما زار ولى العهد فى ذلك الوقت الشيخ أحمد الجابر القاهرة، والتقى السلطان حسين كامل ملك مصر وقتها بعد الحرب العالمية الأولى، وأجروا مباحثات ثنائية معًا، كما زار وزير المعارف الكويتى الشيخ عبدالله الجابر الصباح القاهرة فى العام ١٩٥٣ واستقبله فى المطار كل من اللواء محمد نجيب فى المطار والبكباشى جمال عبدالناصر.

وفى عام ١٩٥٩ افتتح بيت الكويت بالقاهرة بحضور الرئيس جمال عبد الناصر وقبلها فى العام ١٩٤٢ كانت قد بدأت العلاقات الثقافية رسميًا فى شكل البعثة التعليمية الكويتية لمصر بالاتفاق بين وزير المعارف الدكتور طه حسين، ومدير إدارة المعارف الكويتية آنذاك، وحينما حدث العدوان الثلاثى على مصر عارض الكويتيون بشدة هذا الأمر، واهتمت القيادات الكويتية وقتها بدفع تبرعات كثيرة، منها ما دفعه الشيخ صباح الأحمد أمير الكويت الحالى، حوالى ١٠٠ ألف روبية من إجمالى ٧٠٠ ألف روبية دفعت لمصر وقتها.

وحينما أعلنت الوحدة السورية - المصرية فى العام ١٩٥٨ أعلنت الكويت دعمها لتلك الوحدة بالكامل، على الرغم من أن بعض الدول الخليجية لم تكن مرتاحة لهذه الوحدة.

وعند استقلال الكويت فى العام ١٩٦١ أرسل الرئيس المصرى جمال عبدالناصر برقية إلى الشيخ عبدالله السالم أمير الكويت وقتها، قال فيها "فى هذا اليوم الأغر الذى انبثق فيه فجر جديد فى تاريخ الوطن العربى باستقلال الكويت وسيادتها، ليسرنى أن أبادر بالإعلان عن ابتهاج شعب الجمهورية العربية المتحدة، وعظيم اغتباطهم بهذا الحدث التاريخى المجيد الذى اعتزت به نفوس العرب جميعًا، وليس أحب لقلوبنا من أن ننتهز هذه المناسبة السعيدة لنبعث إلى سموكم وإلى شعب الكويت الشقيق بأجمل تهانينا القلبية وأمانينا الصادقة، داعين الله تعالى أن يكتب لكم التوفيق والسداد وأن يمدكم بعونه، حتى يصل الكويت فى عهده الجديد بفضل قيادتكم إلى تحقيق ما يصبو إليه من عزة ومجد ورفاهية".

وعارضت مصر وقتها تهديدات الرئيس العراقى عبدالكريم قاسم بضم الكويت للعراق، وأصدر الرئيس جمال عبدالناصر بيانا قال فيه "إن الوحدة لا تتم إلا بالإرادة الشعبية فى كل من البلدين وبناء على طلبهما معا"، وقال عبدالناصر كلمته الشهيرة "مصر ترفض منطق الضم".

وعلى الرغم من أن مصر كانت غير مرتاحة لاستدعاء الكويت لقوات بريطانية وقتها، إلا أنها أيدت هذا الطلب فى الجامعة العربية، بل شاركت فى القوات العربية التى تجمعت وقتها للدفاع عن الكويت، وردت الكويت سريعًا هذا الأمر فى حربى ٦٧ و٧٣.

ويذكر التاريخ أن الشيخ صباح الأحمد، أمير الكويت الحالى، قد قابل الرئيس جمال عبدالناصر خلال العدوان الإسرائيلى على مصر عام ٦٧ وأكد له أن الكويت تدعم مصر بالكامل فى هذه الأزمة، وقتها كانت أشكال الدعم الكويتى قوية جدًا، منها إرسال لواء اليرموك الكويتى للمحاربة مع القوات المصرية، وكان لواء اليرموك يمثل وقتها ثلث الجيش الكويتى، بمعنى أن الكويت أرسلت ثلث جيشها النظامى وقتها إلى مصر لدعمها فى حربها ضد الكيان الإسرائيلى، كما أرسلت ثلثى تسليح الجيش الكويتى إلى مصر، منها مدفعية ودبابات ومدرعات ولو أرادت أى قوى خارجية غزو الكويت فى ذلك الوقت كان يمكنها أن تفعل ذلك، ولكنها تحملت المخاطرة من أجل مصر.

وساهمت الكويت فى حرب ٦٧ بمبلغ ٥٥ مليون دينار كويتى فى إطار مؤتمر القمة العربى الذى عقد فى الخرطوم فى أغسطس عام ١٩٦٧.

وفى حرب أكتوبر ١٩٧٣ استمر لواء اليرموك فى أداء مهامه القتالية واستمرت الكويت فى حظر النفط عن إسرائيل، وخفضت تصديره إلى بعض الدول الأخرى الداعمة لها، وكان موقع لواء اليرموك وقتها هو منطقة فايد، وهى المنطقة التى شهدت أكبر المعارك بداية من ١٦ أكتوبر عام ١٩٧٣ وخاضت هذه القوات معركة الدفرسوار واستشهد منها فى تلك المعركة وفى معركة فايد حوالى ٤٠ عسكريًا كويتيا، كما شارك سرب طائرات كويتى فى الضربة الجوية فى بداية حرب ٧٣.
أما عن الموقف المصرى من الغزو الصدامى للكويت فهو معروف، على المستويين الرسمى والشعبى.

فشعبيا احتوى المصريون المواطنون الكويتيون الذين أقاموا بالقاهرة خلال فترة الغزو ولمس الجميع مدى الرفض الشعبى والجماهيرى لعملية الغزو.

وجاء موقف مصر تجاه الكويت، إبان أزمة الاحتلال الصدامى، من منطلق مسؤولية قومية عربية، ولقد ظهر حسم الموقف المصرى منذ الوهلة الأولى على الصعيدين السياسى والعسكرى، فأعلنت تأييدها للكويت وحاولت مصر أن تحتوى الأزمة، وأن تحلها بالطرق السياسية والدبلوماسية، إلا أن الرئيس العراقى السابق صدام حسين لم يستجب، وحينما تقطعت بمصر السبل لم تترد فى استخدام الخيار العسكرى مع القوات العربية والصديقة من قوات التحالف من أجل عودة الحق لأصحابه.

ومثلت أزمة الغزو العراقى للكويت تحديًا كبيرًا للدور المصرى ومكانتها العربية، خاصة بعد أن بدأت فى استعادة مكانتها علاوة على ما شكلته من حرج سياسى ومعنوى شديد للقيادة المصرية بسبب ما انطوت عليه طريقة الغزو وملابساته، والتى كانت تنم على محاولة عراقية لاحتواء الدور المصرى وتحييده خلال مجلس التعاون العربى الأمر الذى برز مع بداية الأزمة علاوة على أن الرأى العام المصرى لم يقبل الغزو الصدامى للكويت.

فى الخامس والعشرين من يناير عام 2011، احترمت الكويت الإرادة الشعبية والرغبة الجماهيرية، كما دعمت ثورة ٣٠ يونيو وأصدرت الحكومة الكويتية بيانا أكدت فيه "دعمها للخطوات الإيجابية للشعب المصرى وللحكومة المصرية على طريق ترسيخ دعائم الديمقراطية، ودعم عزم الحكومة المصرية على الاستمرار فى خارطة الطريق التى رسمتها وفقا لبرنامج زمنى يكفل الاستقرار".

وفى ٣٠ أكتوبر من العام ٢٠١٣ زار الرئيس المؤقت لمصر المستشار عدلى منصور الكويت فى زيارة لدعم العلاقات، واتبعها بزيارة أخرى فى السابع عشر من نوفمبر من نفس العام لحضور مؤتمر القمة العربى الأفريقى، واستقبل بكل حفاوة وترحاب دبلوماسيًا وشعبيًا.

تجاريا بلغ حجم التبادل بين مصر والكويت عام ٢٠٠٨ نحو‏ ١٧٧٢.٦‏ مليون دولار‏،‏ مقابل ‏١٢٩٨‏ مليونا عام ٢٠٠٧، ويوجد بالكويت ما يزيد على ‏٥٠٠‏ ألف مواطن مصرى يعمل منهم حوالى ‏٣٦‏ ألفا فى القطاع الحكومى‏،‏ بالإضافة إلى ‏٢٢٠‏ ألفا يعملون فى القطاع الأهلى،‏ لتشكل الجالية المصرية النسبة الأولى عربيا.

أرتفع حجم الاستثمارات الكويتية داخل السوق المصرية إلى 15 مليار دولار، كما أن هناك 1020 شركة كويتية تعمل فى مصر.

وتُعد دولة الكويت ثانى أكبر مستثمر عربى والخامس على مستوى العالم فى مصر، وفقا لإحصاءات وزارة الاستثمار، وهكذا تتواصل مسيرة الإخاء والمحبة بين البلدين ويمتد شريان الأمل ليربط ما بين النيل والخليج ضاربا أروع الأمثلة وأعظم النماذج التى تجسد التعاون العربى فى أزهى صوره ولم يكن هذا العرض السريع لملامح من العلاقات الثنائية بين الكويت ومصر إلا غيضا من فيض يروى أبناء الشعبين معا ويرعى طوحهم المشترك نحو مزيد من التقدم والتنمية والاستقرار.




الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;