"واثق الخطوة يمشى بأناة شديدة ويخدم ضيوفه بنفسه وعيناه رماديتان تخفى ما خلفهما " ، هذا هو أول انطباع عند لقائى بالشيخ فتح الله جولن الداعية التركى مؤسس حركة خدمة المتهمة بتدبير انقلاب الجيش ضد الرئيس التركى رجب طيب اردوغان.
فى عام 2009 شاركت فى مؤتمر المركز الدولى للصحفيين بولاية بنسلفانيا الأمريكية حول الإعلام والتسامح ، وكانت تربطنى علاقة بصحفى تركى " م . ت " يعمل بوكالة "جيهان " من مريدى الأستاذ جولن سهل لى لقاء الشيخ جولن فى مزرعته ، التى تعج بالمريدين وقد طلب منى خلع الحذاء لأن المكان يصلون فيه وقدم لى الشاى التركى المميز واسمه شاى أيضا.
انتظرت لمدة 10 دقائق فقط متأملا مكتبة الشيخ الكبيرة وغرفة متواضعة وصور مجمعة من لقائه ببابا الفاتيكان الراحل يوحنا بولس والجالية اليهودية ، حتى دخل الشيخ ومعه مساعده توران . وقال : السلام عليكم ..مرحبا .. ومد يده مصافحا ومبتسما فى حضور مترجم تركى .
بينما كان يرتدى الشيخ جولن بدلة بنى بدون رباط عنق وظهرت عليه علامات الزمن ووضع أمامه نسخة مترجمة من القرآن الكريم بالتركية وكتاب "و نحن نقيم صرح الروح " أهداهما لى .
و دار لقاء مع جولن استمر نحو 45 دقيقة ، فى البداية قال جولن : "أتمنى أن تكتحل عينايا برؤية مصر التى زارها شيخى سعيد النورسى وشاعر الأمة محمد إقبال".
وتجنب جولن الحديث عن السياسة وإن كانت رؤيته تحمل سياسة لأتباعه ومريديه المنتشرين فى كل مكان بالعالم، فهو يرى أن المسلم لايكون إرهابيا أبدا وكل من يقوم بعمل إرهابى ليس مسلما بالاعتقاد ولا يحق له أن ينتمى للأسرة المسلمة .
تحدث جولن أو الأستاذ كما يلقبه مريدوه فى جماعة خدمة عن تجربته مع التصوف من خلال إعادة قراءة رسائل العلامة سعيد النورسى "النورانيات" وكيف كان يدعو مريديه لقراءتها ، وقال كولن :-
" تأثرت بفقه أبي حنيفة النعمان وبفلسفة أبى حامد الغزالي وتصوف جلال الدين الرومي" .
ومن خلال نشأتى الفكرية سعيت فى مجتمع علمانى صعب إلى التربية أولا دون الخوض فى ثوابت المجتمع العلمانى وكان شاغلى الأكبر إبعاد الشباب عن التطرف الديني وإنقاذهم من براثن النزعات الفلسفية المادية والإلحادية فى الستينات من القرن الماضى حيث انتشار الشيوعية فى تركيا والمنطقة .
وتابع جولن :" لم أكن ميسور الحال وكل ما قمت به من بدايات عمل تطوعى كان من خلال عملى كإمام جامع حيث كنت أنفق جزءا من راتبى لشراء الكتب وتوزيعها على الشباب.
وحول علاقته بالجيش تحدث الشيخ جولن عن قيامه بوعظ جنود الجيش بمادة الأخلاق حيث لم يكن مسموح بذكر كلمة الدين ، وهنا أدركت أهمية تأسيس جماعة خدمة التى بدأت تنتشر فى أنحاء البلاد وخارجها بالتربية والتعليم ثم الإعلام.
من أكون فى اعتقادكم ؟
هكذا قال جولن للغرب ..ثم يرد "أنا داعية للتفاهم وحوار الأديان " .
خرجت من لقائى بالشيخ جولن وأنا أقول لنفسى : هذا هو النموذج الذى يستطيع توصيل حقيقة رسالة الإسلام للغرب بمعناها الحضارى العميق ، إسلام خارج التنميط ، والتعليب أو هكذا يريد.