- تعامل بـ«نظرية المرجيحة» مع رموز نظام «مبارك» فعندما اقترب من صفوت الشريف صمت على ما فعله فى السياسى والإعلام وأوحى لآخرين بمدحه وعندما تقلصت مساحة القرب اجتهد في النيل منه ومن أولاده
- لا يقترب أبدًا من رأس النظام ويكتفى بـ«نزع رؤوس» من يحيطون به
- يتعامل مع الرئيس كذات مقدسة مصونة لا يجوز الاقتراب منها لأنه يخشى بطشه ويتحسب لغضبه
- لا يهاجم مسئولًا أو رجل أعمال إلا من أجل أن يقترب وبعد أن يقترب إن لم يجد ما يريده يتحول مرة أخرى إلى الهجوم
- يلعب على «الجواد الرابح» فإذا اهتز هذا الجواد هاجمه وتخلى عنه وإذا عاد إلى الربح مرة أخرى حاول الاقتراب منه
- يتحرك فى «المنطقة الرمادية» ويبدو متناقضًا ومنقلبًا ومتقلبًا
- وصف «مبارك» بـ«الأب» أكثر من مرة لكن هذا لم يمنعه أن يقف فى شرفة منزله يوم التنحى ليطلق من مسدسه ١٠ رصاصات ابتهاجا وفرحا
- أدرك أن مجده المهنى لا يمكن إلا على «حطام هيكل» فبدأ الصدام مع «الأستاذ»
- اتفق مع «هيكل» على سلسلة حوارات متصلة لمناقشته فى الشأن العام ثم ظهر الكاتب الكبير مع لميس الحديدى فغضب بشدة
- لديه عقدة من عدم حصوله على لقب «رئيس تحرير روزا» وكان يقول: «مستعد أن أدفع ١٠٠ مليون جنيه لأشترى اسمها»
- توقف عن كتابة مقاله لأسبوع بعد هجومه على مصطفى حجازى وتعيين الأخير مستشارًا للرئيس
- يخطب ود السلطة لكنه لا يريد أن يدفع ثمن هذا الود ولذلك لم يحصل منها على شئ
- يفسر الفجوة بينه وبين الرئيس بـ«إسفين» من أحد أعدائه عبارة عن صورة في الصفحة الأخيرة لـ«الفجر» لـ«شابة بمايوه بكينى» تنام على بطنها وإلى جوارها علم مصر
كان ذلك فى الخامس عشر من ديسمبر الماضى، وقتها بدأ محمد الباز فى نشر حلقات «كهنة المعبد» بجريدة «البوابة»..
الكهنة هم مجموعة من كبار الصحفيين، اقترب بعضهم من عبد الفتاح السيسى، جلسوا إليه، ونقلوا عنه.
ما فعله هو أن اقترب من تجربة هؤلاء وكانوا خمسة، وهم محمد حسنين هيكل، وإبراهيم عيسى، وعبد الله السناوى، وياسر رزق، وعادل حمودة، ثم خرج -بقلمه- لرصد ما جرى.
كنت بجانبه وهو يضع التصور المبدئى لـ«توضيب الحلقات».
فى صدر الصفحة وضع أوجه «الكهنة» وكان من بينهم عادل حمودة.
سألته: «هتكتب عن عادل فعلا؟».
أجاب ضاحكًا: «أبقى سهلتها عليك بعد كدا».
لم يكتب الجزء الخاص بعادل حمودة فى الجريدة.
فكر «الباز» أن يجمع الحلقات فى كتاب -يحمل الاسم نفسه- يوثق جانبًا من علاقة الصحافة بالسلطة فى مصر.
وينشر "
انفراد" الكتاب الذى صدر بالفعل «كهنة المعبد.. من أسرار الصحافة والسياسة»، عن دار «نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع»، متضمنًا فصلًا خاصًا عن علاقة عادل حمودة بالسلطة.
أهمية الشهادة أنها لرجل اقترب ورأى.
15 عامًا تحت مظلة عادل حمودة، مديرًا لتحرير صحيفة «صوت الأمة»، ثم نائبًا لرئيس التحرير بصحيفة «الفجر».
ما بين عادل حمودة ومحمد الباز «حبل سرى» تعلو فيه «الناحية المهنية».
بتعبيره هو «ما بينى وبينه ليس شخصيًا بالمرة، إنها علاقة مهنية أكثر منها إنسانية».
فى مقدمة الفصل الخاص بعادل حمودة «الكائن التائه» ألقى محمد الباز باعترافه الخاص: «سأظل طوال عمرى أعترف له بفضل، وأدين له بمساحات واسعة من الود، فما يربطنى به أكبر من علاقة أستاذ بتلميذ، فهو بالنسبة لى شيخى الذى أخذت عليه العهد، فى مهنة هى عندى الحياة، وعنده أيضا».
لماذا يكتب إذن؟
«إننى اعتبرت أن عدم الكتابة عنه فى سياق رصد ما يجرى بين الصحافة والسياسة فى مصر انتقاص من قدره، وتقليل من تأثيره، وتعامل معه على أنه متفرج على ما يحدث، غير أنه ليس كذلك».
التناقض هو السمة الأساسية فى علاقة عادل حمودة بالسلطة فى مصر.
بالنسبة إلى محمد الباز فإن «من يتابع كتابات عادل عن الرئيس -أى رئيس- يشعر أنه يجلس متربعًا فى قلبها، رغم أنه فعليًا يعيش على هامشها، سمحت هى له بمساحة من الاقتراب، ومنعته عنه الوصل الكامل، أعطته بالقدر الذى تريده هى، لا بما يرغبه أو يستحقه، ولذلك تجده غاضبا منها وعليها طوال الوقت».
يبدأ «الباز» قصة العلاقة بين عادل حمودة والسلطة من فبراير ١٩٩٢.
وقتها تحمل مسئولية إعادة الروح مرة أخرى لمجلة «روزاليوسف»، وفى شهور قليلة جعلها أكثر المجلات السياسية توزيعًا وتأثيرًا فى مصر، وظل حتى خرج منها فى إبريل ١٩٩٨ نائبًا لرئيس التحرير.
لم يحصل على حقه فى أن يكون رئيسا للتحرير، رغم أنه فعليًا كان كذلك.
هل نكشف السر الأول؟
يقول: «ستندهش بشدة عندما تعرف أن عادل ورغم كل ما حققه من نجاحات بعد خروجه من (روزا) فإنه لا يزال يحمل فى حلقه غصة من عدم حصوله على لقب رئيس تحرير (روزا)، وكان كثيرا ما يقول لنا إنه مستعد أن يدفع ١٠٠ مليون جنيه، ليشترى اسم (روزا) فقط، ويبدو أن عبدالله كمال كان يعرف مكمن الجرح المهنى فى شخصية عادل فضغط عليه أكثر من مرة، عندما جمعتهما معركة صحفية ملتهبة، كان عبدالله يصر على أن عادل لم يكن يوما رئيسا لتحرير (روزا)»
يعود «الباز» إلى الوراء قليلًا.
بعد ما يقرب من ٧ سنوات على خروج عادل حمودة من «روزاليوسف» فكر نظام «مبارك» فى تغيير «طاقم الكهنة القديم»، مستبعدًا إبراهيم نافع من «الأهرام»، وإبراهيم سعدة من «أخبار اليوم»، وسمير رجب من «الجمهورية».
يقول: «وقتها ترددت شائعات كثيرة أن عادل حمودة مرشح بقوة لتولى رئاسة تحرير جريدة الجمهورية».
كان «عادل» قد انتقل إلى جريدة «الفجر» التى لم تكن صدرت بعد، وكان لديه استعداد لقبول المنصب.
يروى محمد الباز تفاصيل المشهد: «جرت التغييرات الصحفية ولم يكن اسم عادل من بينها، وكانت هذه فرصته الأخيرة ليصبح رئيس تحرير مطبوعة حكومية تكفيه عناء الأشغال الشاقة المهنية التى يبذلها الصحفيون فى الصحف الخاصة، لكنه لم ينل ما يريد».
ينقل «الباز» شهادة سمعها بنفسه من سياسى بارز فى نظام «مبارك» -كان صديقا لعادل- عن سر عدم إدراج الرجل فى «حركة التغييرات الصحفية»
يقول: «كان اسم عادل مطروحا بالفعل، لكن السياسى الكبير صديق عادل قال لمن سألوه عنه: لا يصلح لكم، إنه غير مأمون الجانب، لن يعمل من أجل النظام، لكن سيعمل من أجل نفسه، وأنتم فى غنى عن أن يضعكم فى مشكلة، فبعد أن يتمكن من منصبه، سيتحول إلى منصة إطلاق صواريخ على النظام، فهو لا يعمل إلا من أجل مجده فقط».
لدى محمد الباز تفسيره لإبعاد عادل حمودة: «أداء عادل يمكن توصيفه بدقة فى جملة واحدة، وهى الحركة فى المناطق الرمادية، فهو لا ينحاز إلى سياسى بعينه طوال الوقت، ولا ينتقد سياسيا بعينه طول الوقت، وهو ما يجعله يبدو متناقضا أو بدقة منقلبا ومتقلبا، فهو يصادق كمال الشاذلى، فلا يمانع من الكتابة عنه بشكل إيجابى، ثم تحدث بينهما جفوة، فلا يتردد من الانقضاض عليه بعنف وقسوة، يقترب من صفوت الشريف فيصمت على ما يفعله في السياسى والإعلام ويوحى لآخرين بمدحه، وعندما تتقلص مساحة القرب يجتهد في النيل منه ومن أولاده، حدث هذا مع كثيرين، ولذلك اعتبروه غير مأمون الجانب، فلا يعرف أحد متى يكون عادل صديقا، ولا يعرفون متى يكون خصما».
هل نعلق الجرس فى رقبة عادل حمودة؟
يقول: «نظرية المرجيحة التى يتعامل بها مع رموز النظام (نظام مبارك) جعلت كثيرين يفضلون الابتعاد عنه، فلا أحد يتوقع رد فعله، ولا أحد يستطيع أن يسيطر على غضبه إذا غضب، وهو لا يهاجم مسئولا أو رجل أعمال إلا من أجل أن يقترب، وبعد أن يقترب إن لم يجد ما يريده يتحول مرة أخرى إلى الهجوم ثم وهذا هو المهم لا أحد يستطيع أن يستأمنه على خبر أو سر، فهو من أنصار نظرية إكرام الخبر نشره حتى لو كان فيه إهانة لأصحابه، وهى نظرية تجعل منه صحفيا محترفا، لكنها تجعل السلطة لا ترحب بها لا فى كواليسها، ولا فى تجمعاتها المعلنة»
ويضيف: «ما كان مدهشًا لدى رجال نظام مبارك، أن عادل حمودة كان يلعب طوال الوقت على الجواد الرابح، فإذ اهتز هذا الجواد هاجمه وتخلى عنه، وإذا عاد الجواد إلى الربح مرة أخرى حاول عادل الاقتراب منه».
يسلط محمد الباز فى كتابه الضوء على ملمح ثانٍ فى علاقة عادل حمودة بالسلطة: «هو لا يقترب أبدا من رأس النظام، يكتفى فقط بنزع رؤوس من يحيطون به».
تجربة الخروج من «روزاليوسف» تدلل على ذلك.
يقول: «كان عادل حمودة يحمل غضبا هائلا من نظام مبارك، فقد أنزلوه من فوق عرشه فى (روزاليوسف)، ووضعوه فى مكتب بارد بـ(الأهرام) كاتب مقال أسبوعى، لكن هذا الغضب ظل مكتوما، أو لنقل ظل مراوغا، كان يعرف أن خروجه من (روزاليوسف) تم بقرار من مبارك شخصيا، فلم يكن لأحد يستطيع أن يفعلها دون معرفة الرئيس ورضاه، لكنه لم يوجه سهام غضبه أبدا إلى مبارك».
ما الذى فعله؟
حمل الرجل كمال الجنزورى رئيس الوزراء وقتها مسئولية ما جرى له، واستهدف من يومها رجل الأعمال نجيب ساويرس، الذى قال علنا فى حوار نشرته مجلة «الأهرام العربى» فى مايو ١٩٩٨، أنه قال لمسئولين كبار فى الدولة إذا كان هناك من أغلق جريدة «الدستور» لأنها نشرت بيان «الجماعة الإسلامية» الذى يهدد باغتيال رجال أعمال أقباط، فكان يجب التصرف مع من نشر البيان نفسه فى مجلة «روزاليوسف» بالطريقة نفسها.
وفق ما يقوله فإن «عادل حمودة اعتبر ما قاله نجيب ساويرس اعتراف منه بأنه حرض السلطة عليه، وأنه خرج من منصبه بسببه، فجعل منه هدفا لا ينساه ولا يخطئه، ورغم مرور السنوات فإن المعركة لا تزيد بينهما إلا اشتعالا».
ماذا عن مبارك؟
«على عكس ما فعله عادل مع نجيب ساويرس وكمال الجنزورى، لم يقترب من مبارك، بل نسج علاقة سياسية ومهنية، وهى صيغة فى الحقيقة كانت لها فلسفتها، فهو يحرص على بقاء صحيفته بعيدا عن العواصف، يمكن أن يتنازل بعض الشىء حتى لا يقصف قلمه أو تقصف رقبته أيهما أقرب».
يحدد «الباز» ما يصفه بـ«فلسفة عادل فى التعامل مع الرئيس»: «إنه يتعامل مع الرئيس كذات مقدسة مصونة، لا يجوز الاقتراب منها، ليس قناعة منه بقيمة الرئيس، لكن لأنه طوال الوقت يخشى بطشه، ويتحسب لغضبه».
يقول: «لم يكن عادل حمودة يحب مبارك، ولم يكن يحمل له أى تقدير من أى نوع، كان يقول عنه إنه لا يتورع عن إيذاء خصومه، وهو ما كان يخشاه، ولذلك كان يحافظ على البقاء بالقرب من الرئيس، لا يعانده، ويرضى منه بما يمنحه له، بل كان يحرص على أن يبدو متعاونا، كتب أكثر من مرة عن الحماية التى وفرها له مبارك بعد خروجه من (روزاليوسف)، ووصفه أكثر من مرة بالأب، لكن هذا لم يمنعه أن يقف فى شرفة منزله بمصر الجديدة يوم الجمعة ١١ فبراير ٢٠١١، وبعد دقائق من خلع مبارك، ليطلق من مسدسه ١٠ رصاصات ابتهاجا وفرحا وسعادة بهذه اللحظة التاريخية».
يقدم محمد الباز فى كتابه الأخير تحليلًا نفسيًا مهمًا لعادل حمودة: «يمتلك إمكانيات وقدرات كاهن كبير، لكنه لا يمتلك التكوين النفسى الذى يجعله مجرد كاهن من بين آخرين، يريد أن يكون الكاهن الوحيد».
فى هذه المساحة تستطيع أن تفهم سر انقلابه الأخير على «هيكل»: «ظل هيكل الكاهن الوحيد فى معبد عبدالناصر، وكان عادل يعد نفسه الأحق بها والأجدر، لكن الرياح لا تأتى دائما بما تشتهى السفن».
لا يريد «هيكل» أن يمرر الكرة بينما «عادل» ظل سنوات طويلة فى انتظار «تقاعد الأستاذ».
كان «هيكل» سببا من أسباب غضب «مبارك» على عادل حمودة: «بعد محاولة اغتيال الرئيس فى أديس أبابا، فتح عادل غلاف وصفحات (روزاليوسف) لهيكل، تحدث معه عبر حوار مطول عن دلالات ما جرى، وكان هيكل قاسيا فى حديثه عن مبارك، ولا يزال عادل يجزم أنه دفع ثمنا غاليا لفتح نوافذ لهيكل من أجل أن يتحدث».
مرة ثالثة يعود محمد الباز إلى الوراء: «دخلت عليه مكتبه فى (صوت الأمة)، كان قد مر على صدور الصحيفة عدة أشهر (صدرت فى ديسمبر ١٩٩٩)، وجدته غاضبا، كنت أعرف أنه يتردد على الأستاذ هيكل كثيرا فى هذه الفترة، وتقريبا كانت الزيارة فى اليوم التالى لصدور العدد، كان يستمع منه لرأيه وربما لتوجيهاته، ففى هذه الفترة كان لا يزال هيكل هو شيخ عادل فى المهنة».
ويضيف: «سألت عادل عن سر غضبه، فقال: (هيكل لا يريد أن يعترف لأحد بشىء)، أنا كتبت الموضوع الرئيسى (٩ انفرادات يكتبها عادل حمودة)، وبدلا من أن يثنى على ذلك، قال لى أنت كبرت على ذلك يا عادل، فطبيعى أن تنفرد بالأخبار، لم تعد فى حاجة لتقول إنك تنفرد».
هل يمكن أن أقول إن عادل تحولت مشاعره تجاه هيكل بعد هذا الموقف؟
الإجابة لدى «الباز»: «أعتقد ذلك تماما، لكن الصدام تأخر كثيرا».
متى بدأ الصدام إذن؟
يقول: «استرد هيكل عافيته بعد ثورة يناير، كانت آراؤه مربكة ومحيرة، لكنه استطاع ببراعته أن يسيطر على المشهد، بما يقترحه وينصح به الأنظمة المختلفة، وكان المربك فى المشهد هو تقارب هيكل من محمد مرسى، الرئيس الإخوانى الذى يحمل كراهية لعبدالناصر، ولكل ما يمت إليه بصلة».
من هذه النقطة تحديدا استطاع أن ينفذ إلى «هيكل»، فقد اكتشف الثغرة التى من خلالها يمكن أن يهدمه: «أدرك عادل أن مجده المهنى لا يمكن أن يكتمل إلا على حطام مجد هيكل تحديدا، ولن تقوم دولته فى الصحافة إلا على بقايا دولة الأستاذ الكبير».
يقول: «فى نوفمبر ٢٠١٣، وبينما كان محمد مرسى فى القصر، ذهب عادل لزيارة هيكل فى مكتبه بعمارة الجيزة، كانت زيارة عمل حضرها المسئولون فى قناة (النهار)، وجرى الاتفاق على أن يستضيف عادل هيكل فى سلسلة حوارات متصلة لمناقشته فى الشأن العام، وتنتج القناة برنامجا وثائقيا من خلال هيكل بمناسبة مرور أربعين عاما على حرب أكتوبر يتم تقديمه فى ٢٠١٣، هذا غير فيلم تسجيلى طويل عن حياة هيكل، كان الأستاذ سعيدا بالفكرة وتحمس لها، ووعد بتنفيذها بعد عودته من رحلة بالخارج كان قد رتب لها».
بعد أن عاد «عادل» من السفر وجد «هيكل» يظهر مع لميس الحديدى فى الحلقات الممتدة «مصر أين ومصر إلى أين؟».
يقول: «كان من حق عادل أن يغضب، وأن يكتب كلمة النهاية لعلاقته المباشرة مع هيكل».
هل ندخل إلى منطقة الجد؟
لم يتحدث عادل حمودة فى كتاباته العلنية ولا فى جلساته المغلقة عن علاقة خاصة تربطه بـ«عبدالفتاح السيسى»، ولا عن حوار ثنائى دار بينهما.
معرفته به قبل ثورة ٣٠ يونيو لا تتعدى حضوره فى لقاءات عامة لم تتح له أن يعرفه عن قرب.
يروى محمد الباز موقفًا محرجًا تعرض له عادة حمودة فى واحدة من حلقات «آخر النهار»: «كنا قد استضفنا الكاتب الصحفى ياسر رزق للحديث عن علاقته المباشرة مع (عبدالفتاح السيسى)، كان ياسر مستغرقا فى الكلام عن صفات وسمات وزير الدفاع الذى كان قد أصبح مشيرًا، وفجأة قال لعادل: أنت تعرفه أيضا ولا بد أن تكون لمست فى شخصيته ما أقوله، ابتسم عادل ولم يعلق، أوحى لياسر ولمن يشاهدونه أنه يعرف الرجل جيدا، رغم أنه فعليا لم يكن يعرفه عن قرب، ولا كان قد جلس إليه ليتعرف عليه».
قبل شهور من ترشيح «السيسى» نفسه فى الانتخابات الرئاسية، كان يتردد عن «هيكل» الكثير، فهو ليس صديقا لـ«السيسى» فقط، وليس مستشاره السياسى فقط، ولكنه أيضا يعد له برنامجه الانتخابى: «كان عادل يعلن عن غضبه على هذا القرب، وكان يسأل كيف يتم تقريبه إلى هذه الدرجة وهو الذى دعم الإخوان ووقف إلى جوارهم وزار محمد مرسى فى الاتحادية».
هنا واقعة مهمة فى مسألة العلاقة بين «السيسى» وحمودة: «لقد وصل الغضب بعادل حمودة مداه، كتب عن هيكل ما كتب حتى يحرقه ويبعده عن حمى رأس السلطة، ونهش فى لحم مصطفى حجازى عندما سمع أنه يمكن أن يكون واحدا من أعضاء حملة (السيسى) (يمكن أن ترجع هنا إلى مقال عادل حمودة «وهم مصطفى حجازى» «الفجر» 22 فبراير 2014)، وعندما وجد أن ما يقوله لا صدى له، فكر بالفعل ألا يتوقف عن الكتابة، وامتنع عن كتابة مقاله الأسبوعى (طلقة حبر)، معللا ذلك بأنه كلما كشف أحدهم ورعاه قربوه منهم، فلماذا يكتب من الأساس، لكنه عاد إلى الكتابة فى الأسبوع الثانى مباشرة، وعلل ذلك بأن أحدهم تواصل معه وأكد له أن كلامه دائما ما يوضع فى الاعتبار».
يقول محمد الباز: «أثناء حملة (السيسى) الانتخابية تنفس عادل حمودة، ورأيته سعيدا بما يجرى، فقد قابل (السيسى) مرتين، الأولى ضمن رؤساء التحرير، والثانية ضمن الإعلاميين، وبدا أن (السيسى) يقدره ويعرف قدره جيدا، فكثيرا ما كان يوجه إليه الحديث، ويطلب رأيه، وكان الأثر سريعا، فقد بدأت صورة مختلفة ترسم لعادل، فهو حتما مقرب من الرئيس، وإلا فلماذا كل هذا الود، ولم يكن أحد يعرف أن الرجل الكبير ودود بأكثر مما ينبغى».
بعد أن أصبح السيسى رئيسا اختفى عادل حمودة تقريبا من الصورة التى يقف فيها «السيسى»، صحيح أنه سافر ضمن من سافروا مع الرئيس فى جولاته الخارجية، لكن من يسافرون فى النهاية ليسوا من اختيار الرئاسة، فهم يسافرون على حساب مؤسساتهم، وصحيح أنه حضر لقاء الرئيس الأول برؤساء التحرير، وصحيح أنه كان موجودا فى بعض الفعاليات التى شارك فيها الرئيس، لكن وجوده طوال الوقت كان باهتا، لا يليق لا بتاريخه ولا بمكانته ولا بسنوات عمره الطويلة التى قضاها فى المهنة.
ينقل «الباز» تفسير عادل حمودة لاتساع الفجوة بينه وبين «السيسى»: «هو على يقين أن هناك من دس له عند (عبدالفتاح السيسى)، حكى له هو أن أحدهم حمل أحد أعداد (الفجر)، وكانت الصفحة الأولى تحمل صورة لامرأة شبه عارية ضمن كتلة تتحدث عن مكالمات المسئولين الجنسية التى كانت وزارة الداخلية تتجسس عليها، وفى الصفحة الأخيرة صورة لشابة بمايوه بكينى تنام على بطنها وإلى جوارها علم مصر، ووضع فاعل الخير العدد أمام (السيسى)، وقال له: هذه هى الصحافة التى يقدمها عادل حمودة، فى إيحاء إلى أنه لا يليق أن يكون موجودا إلى جوار الرئيس بعد ذلك، لأنه يمكن أن يسىء إليه».
وفق روايته فإن «عادل حمودة فشل فى الاقتراب من (السيسى)، لم يتمكن من الجلوس إليه والحديث معه، وقد يكون اكتفى بصورة التقطها معه أثناء استقباله له خلال اللقاءات العامة، وضعها ضمن مكتبة منزله، لكن هذا البعد لم يدفعه إلى أن يتحول إلى ناقد عنيف لـ(السيسى)، مثلما جرى مع إبراهيم عيسى، فعادل لا يخرج فى التعامل مع الرئيس عن الخط الذى وضعه لنفسه منذ عصر مبارك، وهو أن يحاصر رجال الرئيس بكل نقيصة، لكنه لا يقترب أبدا من رأس الرئيس».
مرة يحمّل رجال البروتوكول مسئولية ما حدث من أخطاء فى زيارات الرئيس الخارجية ويطالب بإبعادهم، ومرة يحتد على سفير مصر لدى لندن ويتهمه بأنه من أفسد زيارة الرئيس إلى بريطانيا، ويتهمه بأنه من رجال مبارك.
أين يقف عادل حمودة الآن؟
يقول: «لقد حافظت هذه الصيغة التى يتعامل بها عادل حمودة مع الرؤساء على أن تبقيه بعيدا عن الأزمات والمشاكل، لكنها أبقته أيضا فى منطقة باهتة جدا، معارضوه يتهمونه دائما بأنه أحد رجال السلطة، رغم أن السلطة نفسها لا تعترف بشرعيته، تتعامل معه بريبة وحذر.. وربما يكون هو السبب فى ذلك، فهو طوال حياته يخطب ود السلطة، لكنه لا يريد أن يدفع ثمن هذا الود، ولذلك لم يحصل منها على شىء، لكن ورغم كل هذه السنوات التى قضتها فى الصحافة، فإنه لا يزال ينتظر، وهذه هى أزمته الحقيقية».