سجالات ومناورات فكرية، وجدت طريقها في الإتجاهين المعاكسين، في آن معاً، كانت بداية طرف الخيط، عند الدكتور عمرو حمزواي عندما كتب مقالاً بعنوان "كيف يمكن إنقاذ مصر؟" والذي نشره في جريدة الواشنطن بوست الأميركية، بمشاركة الباحث الأميركي "مايكل ماكفول"، ومن ثم تبارت الأقلام للرد على ما كتبه حمزاوي.
كان آخر حلقات هذا المسلسل من الردود مقال نشره الدكتور عبد المنعم سعيد في المصري اليوم، ردًا على ما أسماها مبادرة حمزاوي لإخراج البلاد من أزمتها السياسية الحالية.
حمزاوي عقب اليوم على عبد المنعم سعيد، بادئاً بالقول إنه يربأ بـ "سعيد" كونه باحثاً قديراً أن يكون عرضه مختزل لمقاله وإنه فضل الرد عليه تحديداً لأنه ليس من الذين وصفهم بـ"صحفيي الأذرع الأمنية" الذين انتقدوا مقاله في "واشنطن بوست"، وأنهم ما كانوا لينتقدوه لولا الأوامر التي وجهت إليهم من جهات أمنية لفعل ذلك.
وقال حمزاوي في رده على سعيد، إن ما كتبه عن الحالة المصرية الحالية، وكيفية إنقاذها مما هي فيه، لم ترق إلى مرتبة المبادرة، ولو كانت كذلك لكان أعلن هو عنها.
وأشار حمزاوي إلى أنه ليس على تواصل مع أطراف الصراع على السلطة بمصر في الوقت الحالي، لكي يقدم مبادرات أو يتبنى وجهة نظر أي من هذه الأطراف، مشدداً على أن تحويل الأفكار إلى مبادرات يمكن تنفيذها على أرض الواقع، يتطلب مسؤولية منفردة من جانب مراكز النفوذ وصنع القرار داخل النظام الجديد، وتحديدًا المكون العسكري الأمني، فيما أكد "سعيد" في مقاله أن محتوى المبادرة يقوم على حزمة من المطالبات كلها تقع على عاتق السلطات المصرية، فهي التي عليها "إطلاق سراح المعتقلين"، وتطبيق العدالة الانتقالية، وإجراء انتخابات نيابية مبكرة، وإلغاء قانون التظاهر، والسماح لكل القوى السياسية بالمشاركة في مناخ سياسي مفتوح بعيداً عن العنف، في إشارة إلى تبنى حمزاوي لموقف معاد للسلطة ومحاب للإخوان.
عبد المنعم سعيد في معرض انتقاده لمقال عمرو حمزاوي، أعرب على استحياء عن اعتراضه على مشاركة الباحث الأميركي "مايكل ماكفول" في كتابة المقال، كونه محسوباً على إدارة الرئيس باراك أوباما، إضافة إلى إختيار جريدة "واشنطن بوست" الأميركية لنشره، ما دفع حمزاوي إلى توضيح أن الرجل في المقام الأول، باحثاً أكاديمياً متخصص في العلاقات الدولية بجامعة "ستانفورد"، كما عمل سابقا في مجلس الأمن القومي التابع للرئاسة الأميركية، خلال فترة أوباما الأولى، كما شغل سابقاً منصب السفير الأميركي لدى الإتحاد الروسي، وأن جمع الأكاديمي بين العمل في الجامعات ومراكز الأبحاث والعمل التنفيذي في دوائر الحكم، يعد ظاهرة اعتيادية هناك. واصفاً ما قيل عن دور لأوباما وللاستخبارات الأجنبية في كتابة المقال بالهراء المعتاد لمن وصفهم بـ "صحفي الأذرع الأمنية" وحديثهم عن "المؤامرات والأجندات" وتشويههم لكل صوت مصري معارض.
حمزاوي أبدى استغرابه أيضاً من إعتراض سعيد على نشر مقال "كيف يمكن إنقاذ مصر" في صحيفة "واشنطن بوست" بينما تحتفي المصري اليوم بمقال نشر في الصحيفة واليوم نفسه الذي نشرت فيه مقال حمزاوي المقال كان للكاتب الأميركي "ديفيد إغناتيوس" جاء تحت عنوان "كلينتون كانت محقة في رؤيتها لمصر" ينتقد فيه إدارة أوباما لسطحية تعاملها مع مصر، ودعمها الساذج للديمقراطية على حساب الأمن والاستقرار ونشرته مترجمًا إلى اللغة العربية، وكذلك شاركت فى الاحتفاء وسائل إعلام مصرية كثيرة.
سعيد اتهم حمزاوي بأنه يدعو في مقاله إلى التصالح مع الإخوان والتمهيد لعودتهم عبر انتخابات نيابية مبكرة، فيما أكد الأخير أن مقترحه بشأن تمكين جميع الأطراف الملتزمة بالفصل بين الدين والدولة ونبذ العنف من المشاركة السياسية كان الهدف منه التأكيد على أن ذلك سيعمل على تغير جذري في هوية وطبيعة الإخوان والسلفيين والجماعات الدينية الأخرى.
وفي النهاية أكد د. عبد المنعم سعيد ضرورة أن تعتمد المبادرات على التوازن في التزامات أطراف متعددة، حيث لا يمكن أن تقوم مبادرة ناجحة على سحب الشرعية من سلطة شعبية منتخبة، فيما أكد حمزاوي في رده بهذا الشأن أن البرلمان الحالي لايمثل القوى أو يعبر عن الأوزان الفعلية للقوى السياسية في البلاد، بل يترجم سيطرة الأجهزة الأمنية وطبيعة التحالفات داخل تركيبة الحكم والنخب الاقتصادية والمالية والجهاز الإداري الدولة وبعض المصالح الحزبية الموالية للحكم، مشدداً على أهمية إعادة النظر في العلاقة بين نظام الحكم والدولة وفي علاقة الأخيرة والمجتمع المدني، وأيضاً بينها وبين المواطن.