فى مثل هذه الأيام من كل عام من المعتاد أن تكتظ المحلات بالزبائن لشراء ملابس العيد خاصة للأطفال، ولكن اختلف المشهد كثيرا هذا العام بسبب الارتفاع الكبير الذى تشهده الأسعار، ولم تعد المناطق الشهيرة ببيع الملابس خاصة منطقة وسط البلد هى قبلة المشترين بل تحول الكثير منهم إلى الأسواق الشعبية، خاصة منطقة العتبة لرخص الأسعار، وكان سوق وكالة البلح لبيع الملابس المستعملة قبلة الكثيرين ممن لم يعتادوا ارتياده من قبل.
أى أسرة ترغب فى شراء ملابس العيد خاصة من ذوى الطبقة المتوسطة اعتادت التوجه إلى شوارع وسط البلد مثل 26 يوليو وطلعت حرب وقصر النيل، وهو ما فعلته الكثير من الأسر بالفعل، ولكن انتهت جولاتهم بـ "الفرجة" فقط نظرا لارتفاع أسعار الملابس بصورة لم تحدث من قبل.
منى موظفة بشركة قطاع خاص وأم لطفلتين قامت بجولة كبيرة لأكثر من ساعتين بمحلات وسط البلد سعيا لشراء فستانين لطفلتيها، وانتهت الجولة بالعودة خاوية دون شراء، وتقول: "فساتين الأطفال تبدأ أسعارها من 300 جنيه وتصل إلى 700 جنيها صعب جدا أشترى بالأسعار دى"، وتقرر فى نهاية الأمر أن تتوجه إلى أحد الأسواق الشعبية التى تشتهر برخص أسعارها، بعد أن أصبحت محلات وسط البلد للفرجة فقط.
ارتفاع الأسعار كان السبب الذى أجمع عليه البائعون بسوق العتبة فى تراجع حركة البيع هذا الموسم، ومن بينهم حسن سعد شاب يبيع الملابس الرجالى، وقال "سعر البنطلون الرجالى العام الماضى فى الجملة كان يتراوح ما بين 65 و70 جنيه للقطعة وكنا نبيع بزيادة 10 جنيهات فى القطعة والحال كان ماشى، ولكن لما سعر نفس القطعة فى الجملة يصل 120 جنيه نبيع بكام؟، الزبون الآن بييجى يسمع الأسعار ويمشى، والزباين المعروفين عند البائعين اللى كانوا بيشتروا 3 أو 4 قطع بناطيل دلوقت بيشترى قطعة واحدة فقط"، ويكمل " دلوقت إحنا بنبيع علشان نجيب ثمن البضاعة و5 جنيه تكفى مصاريف البياع فقط".
أحمد الباجورى، بائع أحذية مصرى ومستورد، يرى أن المصنّع المصرى هو المسئول عن "وقف الحال" الذى تعانى منه مبيعات الأحذية، حيث إن الحكومة قررت منع الاستيراد ليكون فى مصلحة المصانع المصرية وتفتح الباب أمامها وتعطيها الفرصة لتنشيط مبيعاتها، ولكن ما يحدث حاليا هو أن المصانع المصرية ترفع أسعار منتجاتها لتتساوى مع سعر المنتج الذى يأتى عن طريق التهريب بدلا من أن ترفع من جودتها وتزيد من إنتاجها فى السوق بأسعار جيدة.
ويضيف الباجورى، أن سعر البضائع يزيد يوميا بدون مبرر مع اقتراب الأعياد، وأصبح الزبون الذى يجد أسعار المنتج المصرى مساوية للمستوردة المهربة يقبل على المستورد لأنه أفضل فى الخامة والصناعة كما أن سعر المصرى لا يقل كثيرا عنه.
قبل انتهاء شهر رمضان الكريم بيومين فقط، بدأت حركة رواج الأسواق الشعبية التى يلجأ إليها الكثيرون الآن لشراء ملابسهم، وبعد أن حصل الموظفون على رواتبهم استعدادا لقضاء إجازة العيد.
وفى سوق وكالة البلح التى تشتهر ببيع الملابس المستعملة والملابس المستوردة بأسعار منخفضة، بدأ الباعة عملهم مبكرا، المحلات ترص بضائعها والباعة الجائلون يجرون "الاستاندات" التى تتراص عليها الملابس المستعملة والمشترون بدأوا التوافد على السوق مبكرا خوفا من الزحام المعهود بعد الإفطار. ورغم ذلك لم يبد الوضع على حاله فالكثير قد تغير.
فمنطقة وكالة البلح كانت دائما مقصد الفقراء من ذوى الدخل المحدود الذين يبحثون عن فرحة أطفالهم بملابس يعتقد الأطفال أنها جديدة ولكنها فى حقيقة الأمر غير ذلك إلا أنها تفى بالغرض وهو إسعاد الأطفال. أما الآن فقد تغير الوضع لتصبح الوكالة مقصدا لطلبة الجامعة والطبقة المتوسطة التى لم تعد تخش أن يراها أحد تشترى من هذا المكان بل ينصحون بعضهم البعض بالشراء من هناك لرخص الأسعار، وهو ما لمسته "انفراد" فى جولتها هناك.
وبين الاستاندات المتراصة تبحث جيهان فتحى عن ملابس لابنتها ولها هى الأخرى بهدوء وصبر حتى تجد ضالتها، وتقول: "اعتدت شراء ملابس أسرتى من وسط البلد ولكن هذا العام كان من الصعب ذلك فأسعار البلوزات تبدأ من 220 جنيه أما فى الوكالة فالسعر يصل إلى 80 جنيها وهذا فى متناول يدى.. ففضلت الشراء من هنا".
وتأكيدا على تغير نمط شراء الأسر متوسطة الدخل تؤكد الحاجة فاطمة وهى من سكان منطقة بولاق أبو العلا الملاصقة لسوق الوكالة أن ابنتيها وهما جامعيات اعتادتا شراء ملابسهما من منطقة وسط البلد أو مصر الجديدة حيث الأذواق الراقية، ولكن هذا العام اضطرتا للتخلى عن ذلك بعد جولة قصيرة بمحلات هذه المناطق عندما وجدتا أن الأسعار تفوق قدرتهما على الشراء، وقررتا هذا العام شراء ملابس العيد من سوق الوكالة لأول مرة.
ولأن سوق وكالة البلح هو بالأساس مقصد الفقراء حيث كان من المعتاد أن ترى لافتات مكتوب عليها للبيع بـ 10 جنيهات و15 جنيها، لكن اختلفت هذه الأسعار كثيرا حيث يبدأ سعر أقل قطعة بـ30 جنيها، وهو ما يعد زيادة كبيرة بالنسبة لأصحاب الدخل المتدنى خاصة ممن لديهم أكثر من طفل.
وبين الاستاندات التى تعلوها لافتات بـ35 جنيها وقفت شيماء لتختار ملابس العيد لخمسة أطفال، وهو ما ترى أنها تكلفة كبيرة عليها قائلة: "من سنتين كنت بشترى القطعة بـ7.5 – 10 جنيهات مبقاش فيه الكلام ده دلوقت الحاجة يبدأ سعرها من 30 جنيه وده كتير احنا دخلنا مزادش كل الزيادة دى فى الأسعار".
أما سارة فهى فتاة جامعية بكلية الفنون التطبيقية لم ترتاد منطقة الوكالة من قبل، لكن بعد جولة قصيرة بمنطقة وسط البلد قررت تغيير وجهتها على الفور بنصيحة صغيرة من زميلات الدراسة اللاتى لم يخجلن من البوح بشرائهن من سوق الوكالة كما كان فى السابق. والسبب ببساطة هو أن أسعار المحلات الشهيرة لم تعد فى مقدور أي منهن.
ويفسر محمد على بائع بسوق الوكالة أسباب الارتفاع الكبير فى الأسعار، موضحا أن انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار والريال السعودى هو الدافع الرئيسى وراء الأزمة.
وقال: "والله البياعين ملهمش ذنب احنا كمان تعبانين من زيادة الأسعار لأننا مش عارفين نبيع بس الدولار اللى كان بـ8 جنيه بقى بـ 18 فكل حاجة مستوردة اتضاعف سعرها"، ويتم استيراد أغلب الملابس المستعملة التى يتم بيعها بسوق الوكالة من السعودية عبر ميناء سفاجا بحسب محمد.
وبنظره حزينة يقول: "صحيح الأسعار هنا أقل من مناطق تانية لكنها برضه غالية على الزبائن الطقم الكامل فى المحلات التى تستورد من دول أوروبية يصل بسوق الوكالة 700 – 1000 جنيه وده كتير جدا"، ويتابع: "احنا مش عارفين نبيع زى الأول السوق بقى صعب جدا".
أحد أصحاب المحلات بالسوق رفض ذكر اسمه خوفا من مضايقات البلدية، بدأ حديثه بقوله: "الأسعار نار بس والله ما لينا ذنب الحكومة هى اللى رفعت سعر الدولار انا من صباحية ربنا مبعتش غير بـ 15 جنيه" قال ذلك وهى يخرج كل ما بجيبه ليدلل على ركود حركة البيع، فالزبان أكثرهم متفرجون ولا يشتروا كالسابق.
ويتابع التاجر: "زمان كنت بملى المحل بضاعة بـ20 ألف جنيه دلوقت محتاج 300 ألف جنيه على الأقل عشان أعمل كده ولو البضاعة متباعتش فى الموسم بتترمى على الرصيف السنة الجاية وتتباع ببلاش".
ويؤكد: "لو المحلة الكبرى شغالة والله ما فيه قصقوصة هتدخل سوق الوكالة كلنا هنبيع شغل بلدنا بس الخصخصة قضت على الصناعة خلاص".
ويؤكد التاجر وجود ركود كبير بحركة البيع ليس معتادا فى مثل هذا الوقت من العام الذى كان يحقق للتجار مكاسب كبيرة، وهو ما برره بأن أسعار كل شىء ارتفعت وشراء الملابس لم يعد من أولويات الأسر المصرية، ويختتم بقوله: "مش عارفين رايحين فين الخوف من اللى جاى مش هنستحمل أى زيادة تانى فى الأسعار".