فتات طعام بين مقالب القمامة..مصر الثالثة عربيا في مؤشر الجوع العالمى ..تفقد نحو 1.7 مليون طن من الاحتياجات الغذائية .. جهود أهلية لحل الأزمة وغياب للمسئولين الحكوميين

كتبت رانيا فزاع

تجمع نسائي كبير بجانب بائع يعرض بقايا حلوى مفتتة " جاتوه " تباع بالكيلو داخل أحد الأسواق الشعبية الشهيرة وسط عاصمة مصر القاهرة ،شكلها غير المتناسق كاف بأن يصرفك عن تناولها.

إمرة عجوز تبحث عن فتات طعام بين مقالب القمامة ،وطفلة صغيرة تبحث داخل صندوق أحد الأطعمة المقدمة من جمعيات أهلية لمساعدة الفقراء عن وجبة غذائية، تخرس بها صوت الجوع القارص بداخلها.

في الوقت نفسه يجتمع عدد من طهاة أحد مطاعم الفنادق الكبرى بعد حفل ساهر ،لا يعرفوا ماذا سيفعلون بهذه البقابا الكثيرة من الطعام بعد انتهاء الحفل ، محاولين تجميع ما يصلح منه للتناول في علب صغيرة لتوزيعه على الفقراء .

المشهدين السابقين يوضحان تضارب بين طبقتين مختلفتين ، من الناحية الاقتصادية الاجتماعية تعيشان في مصر وفى الوقت الذي تعانى فيه واحدة منهم من جوع وسوء تغذية ، تفرط الثانية فى شراء الطعام وطهيه لدرجة يتبقى منه جزء كبير فى صورة فاقد .

عن المشهدين السابقين وما يحدث في مصر من إهدار للطعام وما يقابله من جوع وسوء تغذية يدور هذا التقرير ،البداية مع أرقام أوضحت الوضع الغذائي .

أرقام وإحصاءات :
وفقآ للجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء المصرى ، فإن 27.8% من السكان فى مصر فقراء ولا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم الأساسية من الغذاء وغيره ،كما احتلت الدولة المرتبة الـ59 عالمياً والـ3 عربيًا في مؤشر الجوع العالمي لعام 2016 .

مصر من أكثر بلدان العالم التي تعانى من سوء التغذية وفقآ لمنظمة الأغذية والزراعة "الفاو " وتنعكس مشكلة نقص التغذية في ارتفاع معدلات فقر الدم (الأنيميا) والتي وصلت نسبتها إلى 46 %بين السيدات الحوامل و 28 %بين السيدات (غير الحوامل) ،وترتفع نسبة الإصابة بالأنيميا بين الأطفال الأقل من عامين لتصل إلى 30.5 %.

أرجعت منظمة الأغذية و الزراعة " الفاو " مشكلة نقص التغذية بمصر،إلى عدم قدرة الأسر على توفير كميات كافية من الغذاء إضافة إلى ارتفاع معدلات الفقر وعدم المساواة في توزيع الثروات .

ويعد معدل قصر القامة أو ما يعرف بالتقزم مقياس للنقص المزمن في التغذية بين الأطفال دون سن الخمس سنوات، ويعاني 29 %من أطفال مصر من قصر القامة فيما يعاني 14 %منهم من قصر القامة أو التقزم الشديد.




إهدار واضح للطعام :
هذه النسب العالية تجعل مصر واحدة من 36 دولة حول العالم تواجه عبء نقص التغذية لدى الأطفال ، كما يعد نقص الوزن مقياس آخر لسوء التغذية الحاد فنحو 8 %من الأطفال المصريين تحت سن الخامسة يواجهون نقص الوزن .

إهدار الطعام في مصر له أكثر من صورة تظهر بين محاصيل زراعية وأسماك ومأكولات بحرية تتعرض للفساد قبل طرحها بالأسواق و طعام مطهى .

وفقآ لتقرير منظمة "الفاو" الخاص بوضع مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية لسنة 2016 ،فإن 35٪ من إنتاج الأسماك يتم فقدها أو إهدارها على امتداد سلسلة القيمة بأكملها، من مرحلة الانتاج إلى مرحلة الاستهلاك .

تبلغ كمية الفاقد من تناول الاحتياجات الغذائية نحو 1.7 مليون طن ما يؤدى إلى انتشار امراض السمنة والسكرى وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب .

وفى تقرير آخر أعدته الفاو كشفت البيانات أن قيمة الفاقد السنوى من القمح المنتج محليا والمستورد 6.6 مليار جنيه مصرى بينما تم تقدير قيمة الفاقد السنوي من الذرة 1.5 مليار جنيه مصري.

وتشير التقديرات إلى أنه إذا تم تخفيض الفاقد من القمح والذرة بمقدر النصف فإن هذا من شأنه أن يؤدى إلى تحقيق وفرة تقدر بنحو 4 مليار جنيه مصري سنويا ، وبلغت قيمة المهدر في الزراعة وأثناء عملية تصنيع الغذاء نحو 28 مليون طن .

رغم النماذج السابقة من إهدار الطعام إلا أنه يوجد فئة كبيرة من المجتمع المصري تعانى من الفقر والجوع ،وهو ما أشرنا إليه سابقا بالحديث مع هذه الفئات ووجدنا انهم يتحايلون على الفقر والجوع بطرق عدة .


فقر وسوء تغذية :
نجلاء إبراهيم الذي قمنا بتغيير اسمها بناء على طلبها قالت إنها تتغلب على هذه المشكلة ، بشراء هياكل الدجاج وبقايا الخضروات المطروحة في الأسواق بأسعار أقل .
وفى نفس الوقت تنتشر في أسواق المناطق الشعبية سلع من بقايا طعام الفنادق تطرح للبيع بأسعار زهيدة ،تتناسب مع الحالة الاقتصادية لسكان المنطقة .

تتنوع تلك السلع بين بقايا " الجاتوه " الخاص بالفنادق ومحلات الحلويات الكبرى التي تباع بالكيلو في صورة فتات، أو بقايا الجبن من محلات الجملة. إضافة إلى أن هذه الأسواق تطرح الباقى من مطاعم الفنادق المطهو بالكيلو وتبيعه لهم .


فنادق الخمس نجوم :
إنتقالآ الى الفئة الأخرى التي يحدث بها إهدار للطعام داخل الفنادق قال "هانى محمد " شيف بأحد الفنادق الشهيرة بالقاهرة في تصريح خاص لإنفراد "أعمل في مجال الطهي داخل الفنادق منذ فترة طويلة ، تغيرت فيها ثقافة المصريين في التعامل مع الطعام.

ولفت إلى أن المشهد المعتاد في الأفراح والتجمعات الكبرى من الحصول على كمية أكبر بكثير مما يحتاجونه تغيرت فالوعى بالصحة الغذائية زاد ، وزاد الاهتمام بالطعام المهدر مما قلل من نسبة الفاقد .

يسري خميس طاهي بأحد الفنادق الكبرى قال في تصريح خاص لموقع انفراد "شراء الكثير من الطعام حتى لو لم نقم باستخدامه،هو صورة من صور الظهور بمستوى اجتماعى عالي وإشارة إلى الثراء الفاحش.

وأضاف خميس " أرى فى كثير من الأفراح والحفلات إهدار واضح للطعام وشراء كميات ،أكبر من الحاجة الأساسية وتحاول الفنادق التخلص منه بتوزيعه على الأسر الفقيرة والجمعيات الخيرية بعد تغليفه بطريقة جيدة وتبتعد عن الطعام القابل للفساد ، أو المتعفن ويكون هذا بالاتفاق مع بنك الطعام المصري.

جهود مجتمعية :
قامت عدد من الجمعيات الخيرية المصرية بمحاولات للقضاء على الجوع من خلال الحصول على الفاقد من الطعام من الأسر الغنية وتوزيعه على الفقيرة، منهم حملة "مكافحة الجوع سهلة "التابعة لجمعية "فرحة تجمعنا ".

بدأت الحملة منذ خمسة سنوات وهدفها كان القضاء على الجوع نهائيآ بالحصول على الفاقد من الطعام من خلال وضع صناديق فارغة فى مناطق سكنية مختلفة بمحافظات مصر ، كنوع من تشجيع المواطنين على وضع الطعام بها .

تقول منى سالم رئيسة الجمعية في تصريح لإنفراد " يتم وضع الصناديق على أبواب المحلات ، والمنازل ويقوم كل فرد بوضع ما يستطيع أن يضعه ، سواء طعام جاف أو مطهو او حتى زجاجة مياه أى شئ فائض عن حاجته .

وتضيف سالم"رؤية عدد من الأفراد اد يتناولون طعامهم من القمامة ، أو يحصلون على المتبقي من مطاعم الوجبات السريعة أوحت لنا بجمع الفائض من الطعام النظيف وإعادة توزيعه بطريقة آدمية " .

وتوضح رئيسة جمعية "فرحة تجمعنا " أن عدد الصناديق المخصصة لتوزيع الطعام وصلت إلى 400 في 14 محافظة ، مشيرة إلى أنهم لا يقوموا باختيار مكان معين لتركيبه ، ولكن وفقآ للمتطوعين الذين يضعونه فى أي مكان .
ويتنوع الطعام الموجود فى الصندوق بين مطهو وجاف ويوجد ملحوظة على الصندوق أنه غير مسئول عن صلاحية الطعام من عدمه ،وعلى الشخص الذي يأخذه أن يتأكد من صلاحيته قبل تناوله.

ناجى عريان نائب رئيس غرفة الفنادق قال في تصريح خاص لإنفراد إن أغلب الفنادق في القاهرة الكبرى تتبع سياسة توزيع الهادر والمتبقى من الطعام على جمعيات خيرية ، ودور مسنين وأيتام .

و أضاف عريان"لا يوجد لدينا سياسة إلقاء الطعام فى القمامة ، وكل ما يتبقى من الأفراح والتجمعات الكبرى يتم توزيعه بهذه الطريقة ، مؤكدا أن أغلب هذه الفنادق من نوعية الخمس نجوم في القاهرة الكبرى ، وتعمل من خلال بروتوكول واضح لتوزيع الفائض من الطعام .



مبادرة بنك الطعام :
بنك الطعام المصري نشر على موقعه الإلكترونى فيديو مصحوب بالأرقام يوضح سياسة البنك فى توزيع المتبقى من طعام الفنادق على دور الايتام والمسنين ، وصحبه بصورة توضح بالأرقام كمية الطعام الذي تم توزيعه .
وفقآ لإتفاقية مع غرفة المنشآت الفندقية ، يقوم بنك الطعام بتجميع الأطعمة المتبقية من الحفلات الكبرى والتى لم تمس ، ويقوم بتوزيعها .

قال معز الشهدي رئيس البنك في الفيديو المذكور " بدأ برنامج التوعية بمقابلة عدد من مديرين المطاعم واتفقنا معهم على كيفية التعامل مع فائض الطعام ، ونجحنا حتى الآن في توزيع 17 مليون وجبة .