شهدت اللجنة التشريعية بمجلس النواب، أمس الأحد ، مناقشات ساخنة بشأن الغاء مادة ازدراء الأديأن من قانون العقوبات المصرى ، خاصة أن الشهور الماضية شهدت محاكمة عدد من المثقفين تحت مظلة هذه المادة وهو الذى اعتبره البعض تقييدا لحق التعبير عن الرأى ، ولهذا السبب ينشر موقع برلمانى الآراء القانونية المتعلقة بازدراء الأديان ومدى تماشيها مع الدستور المصرى وكذلك موقفها من المعاهدات الدولية والمواثيق العالمية ، كمحاولة للإجابة على السؤال الأهم ، هل نحن بحاجة فعلا لمادة ازدراء الأديان أم يتطلب الأمر إلغائها .
وينشر "برلمانى" المراحل الكاملة لمناقشات مادة ازدراء الأديان بمجلس النواب، بداية من تقديم طلب بتعديل المادة فى قانون العقوبات وحتى الرأى الذى انتهت إليه الحكومة أمس بالرفض
1 إجراءات تقديم طلب تعديل مادة ازدراء الأديأن
بتاريخ 3/4/2016 قدم النائب محمد زكريا محى الدين، مشروع قانون من عشر أعضاء المجلس ، وبتاريخ 27/4/2016 قدمت النائبة أمنة محمد نصير، مشروع قانون مقدم من عشر أعضاء المجلس ، وبتاريخ 1/3/2016 قدمت النائبة منى منير زرق، اقتراح بمشروع قانون ، وبتاريخ 11/4/2016 قدم النائبة نادية هنرى بشارة اقتراح بمشروع قانون.
ويتمثل مشروعا القانونين والاقتراحين بمشروعى قانونين المقدمة حول إلغاء البند "و" من المادة 98 من قانون العقوبات _ مادة ازدراء الأدين _ ونصها: "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، ولا تجاوز خمس سنوات أو بغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه، ولا تجاوز ألف جنيه كل من استغل الدين فى الترويج بالقول أو بالكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء الأديأن السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية".
وإجرائيا ، قرر المستشار بهاء أبو شقة رئيس اللجنة التشريعية ضم مشروعى القانونين والاقتراحين بمشروعى قانونين المرتبطة لضمها معا ونظرها فى جلسة واحدة.
2 مدى توافر الشكل القانونى فى مشروع القانون المقدم الخاص بالغاء مادة إزدراء الاديأن :
تنص المادة (158) فقرة أولى من اللائحة على أن يعرض الرئيس على المجلس مشروعات القوانين المقدمة من رئيس الجمهورية أو الحكومة أو عشر أعضاء مجلس النواب على أول جلسة تالية لورودها أو تقديمها بحسب الأحوال، ليقرر المجلس إحالتها إلى اللجان النوعية المختصة وللرئيس أن يحليها إلى اللجان النوعية مباشرة، ويخطر المجلس بذلك أول جلسة ، كما تنص المادة (181) من اللائحة على أن: تقدم الاقتراحات بقوانين مصوغة فى مواد، ومرفقا بها مذكرة إيضاحية تتضمن تحديد نصوص الدستور المتعلقة بالاقتراح، والمبادئ الأساسية التى يقوم عليها والأهداف التى يحققها.
وبعد دراسة المشروعين من قبل اللجنة التشريعية تبين أن المشروعين استوفيا العدد من الأعضاء لاعتبار كل منهما مشروع قانون ، وتضمنا مذكرة إيضاحية ، غير أنهما لم يتضمنا مواد مصاغة فى شكل مشروع قانون من مواد (لذا وجب تعديل شكل المشروع بصياغته فى شكل مشروع قانون من مواد له ديباجه ثم مادة تتضمن الموضوع ثم مادة نشر) ، كما ينطبق هذا الأمر على الاقتراحين بمشروعين قانونين، حيث إنهما تضمنا مذكرة ايضاحية ولم يتضمنا مواد مصاغة فى شكل اقتراح بمشروع قانون من مواد كما ورد بنص المادة 181 من اللائحة الداخلية للمجلس.
ثالثا: "كيف ينظر الدستور لعقوبة ازدراء الأديان؟
انقسم الرأى فى هذه المسألة إلى رأيين:
• الرأى الأول: ويرى تعارض تجريم ازدراء الأديأن مع الدستور ويستند هذا الرأى إلى الأسانيد الآتية:
نصت المادة 64 من الدستور فى فقرتها الأولى على أن "حرية الاعتقاد مطلقة"، فقد جاءت الفقرة بكل وضوح وبما لا يجعل هناك مجالا للشك دون قيد أو شرط وبذلك يكون كل التجريم أو قيد يرد على حرية الاعتقاد فى أى نص قانونى كما هو الحال فى البند (و) من المادة 98 من قانون العقوبات يعتبر مخالفا للدستور ، ونصت المادة 65 من الدستور على أن "حرية الفكر والرأى مكفولة ولكل إنسأن حق التعبير عن رأيه بالقول أو بالكتابة أو بالتصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر".
إضافة الى أن المشروع الدستورى نص بكل وضوح على عدم تجريم التعبير بأى وسيلة ما دامت هذه الوسيلة سلمية، ومنطق حرية الفكر والرأى التى يكلفهما الدستور هى أن لا تجد من يقيدهما بإغلال رأى مخالف أو يصمهما بالخروج على العقل الجمعى، كما أن وجود نص فى قانون العقوبات يحاصرها الحق فى التعبير عن الرأى ويقمع هذا الفكر، ويردى أصحابه مهما اختلفنا معهم وراء السجون يفرغ النص الدستورى من مضمونه، فحرية الرأى والفكر عنى بها الإسلام الحنيف الذى تمثله مبادئه المصدر الرئيسى للتشريع ، ومن هنا وجب الغاء البند (و) من المادة 98 من قانون العقوبات لمخالفتهما لأحكام الدستور.
كما أن تطبيق عقوبة ازدراء الأديان فى عشرات القضايا التى طاردت أصحاب الفكر والرأى مخالفا للدستور، ووفقا لما جاء بنص المادة "67" من الدستور :"حرية الإبداع الفنى والأدبى مكفولة، وتلتزم الدولة بالنهوض بالفنون والآداب، ورعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم ، وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لذلك. ولا يجوز رفع أو تحريك الدعاوى لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية والفكرية أو ضد مبدعيها إلا عن طريق النيابة العامة، ولا توقع عقوبة سالبة للحرية فى الجرائم التى ترتكب بسبب علانية المنتج الفنى أو الأدبى أو الفكرى، أما الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو التمييز بين المواطنين أو الطعن فى أعراض الأفراد، فيحدد القانون عقوباته.
وكفل المشروع الدستورى فى هذه المادة حرية الإبداع الفنى والأدبى بأن حوطها بسياج يحميها بحكم قاطع ليوصد الباب أما دعاوى الحسبة وجعل الأمر برمته فى يد النيابة العامة ، كما استبدل العقوبات السالبة للحرية فى هذه الجرائم بعقوبة التعويض الجزائى للمضرور من تلك الجرائم وهو ما يخالف البند "و" من المادة 98 من قانون العقوبات التى تنص على عقوبات سالبة للحرية فى هذه الجرائم ، كما قضت المادة "71" من الدستور بإلغاء العقوبات السالبة للحرية فى جرائم النشر أى ما كانت لإظهار عقيدة المشرع الدستورى فى اعتناق حرية الرأى وتجريم الحبس فى كل ما يتعلق بالعقل وإبداعه ومد مظلته لمواجهة تكميم الأفواه فى مختلف وسائل الإعلام المقروءة والمرئية وهو ما يخالف بجلاء البند "و" من المادة 98 من قانون العقوبات.
وأيضا قضت المادة 92 من الدستور بإلغاء كافة النصوص التشريعية التى تعطل أو تنتقص من الحقوق و الحريات المنصوص عليها بالدستور أو تمس أصل وجوهر هذه الحقوق والحريات بتقيدها وذلك فى نص مانع جازم لا مساومة فيه ونص البند "و" من المادة 98 من قانون العقوبات يعصف بهذه الحقوق وينتهك تلك الحريات ، كما نصت المادة 95 من الدستور على أن "العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائى، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون."
وقد خرج البند "و" من المادة 98 من قانون العقوبات على هذا النص وخالفته حيث جاء نص التجريم فضفاضا مطاطا بحيث لم يعرف النموذج التجريمى على وجه الدقة باستبعاد صور لا جدال فى مشروعيتها.
• الرأى الثانى: ويرى أنه ليس هناك تعارض بين تجريم ازدراء الأديأن والدستور ويستند هذا الرأى إلى الأسانيد الآتية:
يدعم موقف الابقاء على مادة ازدراء الأديأن وعدم تعديلها ما يلى:
أولا: الدستور يجرم خطاب الكراهية
حيث إنه لأول مرة يقوم الدستور بتجريم خطاب الكراهية، ويوجب على المشرع أن يبين ما هو خطاب الكراهية، وأول أنماط خطاب الكراهية هو ازدراء الأديان والمقصود بالأديان هنا هو الأديان السماوية وتفسيرات المحاكم حددت ما هو مفهوم الازدراء، ويوجد ضمان قضائى بحيث تعرض كل حالة على القاضى الجنائى المختص ليحكم فيها بموجب القانون، تحت رقابة المحكمة الأعلى وبالتالى تكون إزالة تجريم ازدراء الأديان مخالفة لنص الدستور، والتى حظرت خطاب الكراهية، وجعلت الحض عليه جريمة.
ثانيا: الاتفاقيات الدولية تضع قيودا على حرية الرأى والتعبير
ورد بالفقرة الثانية من المادة 53 أن " القانون يعاقب على جريمة التميز والحض على الكراهية " ، كما تنص المادة (20) من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية على :" تحظر بالقانون أى دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضا على التمييز أو العداواة أو العنف " ، كما تنص المادة 19 من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية على :" لكل إنسان الحق فى اعتناق آراء دون مضايقة ، ولكل إنسان حق فى حرية التعبير ويشمل هذا الحق حريته فى التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود،سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو فى قالب فنى أو بأية وسيلة أخرى يختارها ، وتستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها فى الفقرة ٢من هذه المادة واجبات ومسئوليات خاصة وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود وهى احترام حقوق الآخرين أو سمعتهم وحماية الأمن القومى او النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة "
وبذلك أجازت الاتفاقيات الدولية وضع قيود على حرية الرأى والتعبير، ولم تجعل منها حرية مطلقة نظرًا لما ترتب عليها من اشارات خطيرة على الفرد والمجتمع.
ويشترط فى هذه القيود، الشروط الآتية:-
(1)أن تكون مقررة بموجب قانون، وبالتالى لا تجوز بقرار
(2)أن تكون ضرورية. أى تستلزمها حالة ضرورة
(3)لحماية الأمن القومى، النظام العام، الآداب العامة، الصحة العامة
وكل هذه الشروط متخصصة فى جريمة ازدراء الأديان، وبالتالى فأن تجريم ازدراء الأديان لا يتضمن إهدارًا لحرية الرأى والتعبير، ويتفق مع الدستور، ومع التزامات مصر فى الاتفاقيات الدولية.
ثالثا جامعة الدول العربية أصدرت قانونا نموذجيا لتجريم ازدراء الأديان
جامعة الدول العربية اصدرت قانون نموذجى لتجريم ازدراء الأديان ، جرى الموافقة عليه بإجماع وزراء العدل العرب بتاريخ 29 يناير 2013
رابعا: إلغاء التجريم يؤدى إلى متواليات عنف تؤدى إلى الإخلال بالنظام العام.
خامسًا: أحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسأن مع عقوبة إزدراء الاديأن
الجدير بالذكر أن اجتماع اللجنة التشريعية، أمس الأحد ، هو الاجتماع الأول لمناقشة عقوبة ازدراء الأديان ، وستعقد اللجنة اجتماعات لاحقة فى ضوء الآراء القانونية الجديدة لمناقشتها والوصول إلى قرار نهائى .
ومن بين أهم ما جاء فى الاجتماع ما قاله المستشار أيمن رخا، ممثل وزارة العدل، وهو أن الوزارة ترى ضرورة وجود الفقرة "و" الخاصة بازدراء الأديأن بالمادة 98 على ما هو عليه، مضيفًا أن جريمة ازدراء الأديأن تتطلب ركنا ماديا هو الترويج لفكر متطرف، وركنا معنويا، وهى تختلف عن المادة 160 من قانون العقوبات، التى تتعلق بالتشويش على إقامة الشعائر أو احتفال دينى أو إتلاف مبان معدة لإقامة الشعائر وتختلف عن المادة 161، التى تتعلق بطبع كتاب دينى ، مؤكدا أن الفقرة "و" الخاصة بازدراء الأديان لا تستلزم أن تقع جريمة ازدراء الأديان بإحدى وسائل النشر، مشيرًا إلى أنه لا يجب الخلط بين حرية الفكر والرأى وازدراء الأديان .